دخول

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذاكرة عراقية (1)

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذاكرة عراقية (1)


    ذاكرة عراقية (1 ــ 5)
    من اجل حضارة اسلامية معاصرة



    تعقيبا على احداث العراق الدامية والقتال الجاري بين العراقيين في يومنا بما يختلف كثيرا عن شعوب الارض وبما يضع اهل العراق في موصوفات قاسية وجدت من الواجب ان احرر هذه الذاكرة لغرض معرفة جذور هذه الصفات النادرة في شعب اسمه شعب العراق عسى ان يستطيع متابعي الكريم وضيفي الفاضل على هذه الصفحات ان يربط وضع العراق القاسي بنظرية المؤامرة ومنذ اكثر من نصف قرن

    انا مؤمن ان ما اكتبه يخضع لرقابة الله سبحانه وفيها ومنها مسؤولية ايمانية لا يمكن ان يتحملها شخص في مربعه العمري الاخير من اجل ان يقال له احسنت او سلمت يداك بل هو واجب شرعي يتوجب علينا نقله من اجل اظهار الحقيقة القاسية عسى ان تسري الحقيقة بين الناس لان الجماهير العراقية لا تزال تمتلك ناصية التغيير وهذه الذكرى تنفع كثيرا في عملية التغيير المرجوة .

    تبدأ الذاكرة مع شتاء 1956 وانا في بداية المقعد الدراسي الابتدائي في زمن الحكم الملكي الهاشمي ... كنت اشاهد القرويين في مدينتي على فقر شديد مختلف تماما عن فقراء مدينتي وكنت اتسائل عن سبب ذلك الفقر المقرف ولعل بعضا من القرويين المستخدمين كعمال في مصنع المرحوم والدي كانوا يسعفون تلك التساؤلات عن مظلمتهم مع الشيخ فلان او السركال فلان او الكليط فلان (مسميات تدرج الهيمنة العشائرية في العراق) مما دفعتهم الى هجرة الزراعة والديرة الى المدينة نتيجة الجوع والظلم والحرمان حتى من حد الكفاف .. كنت احيانا اعطي مصروفي اليومي لصغير من عمري يأتي مع اباه للمصنع فكنت اقرأ في وجهه العجب فهو لا يعرف العملة ابدا ولا يعرف ما هي وظيفتها ... عندما استعر العدوان الثلاثي على مصر فزعت من المظاهرات المفاجئة التي غصت بها شوارع المدينة ... كان يشارك فيها والدي وعمال مصنعه وهو يحملني على كتفه ليصرخ (يسقط العدوان يسقط الاستعمار) وكانت المظاهرات سرعان ما تتحول الى ساحة قتال بين المتظاهرين وشرطة المدينة والفزع يتزايد عندي مع صوت الرصاص وانا لا اعرف حقيقة ما يجري سوى قسمات وجه ابي الغاضبة او قسمات وجهه الضاحكة المستبشرة وهو يستمع الى نشرة الاخبار التي تصاحبها اناشيد لا اعرف مضامينها ...

    عندما عادت الدراسة بعد الازمة كنت اسمع من معلمي ما يتناقض مع ما اسمعه من والدي فالمعلم يمجد بالحكومة ووالدي يلعن الحكومة فكنت اتقلب بين مثلين أعلى يمثلان مصدر المعرفة بالنسبة لي وانا لا افهم روابطهما الا حين كبرت فعرفت ان الناس كانوا منقسمين على بعضهم من اجل قضية بعيدة عن ديارنا ...

    في صبيحة يوم الرابع عشر من تموز صعقت مستيقظا على صرخات والدي السارة البهيجة وهو يقول بما معناه لقد انتهى الظلم سقطت الحكومة ... ففرحت لفرح والدي وشاركته شيئا من مسرته وهاجت الدنيا بمن فيها لسقوط المملكة وقيام الجمهورية الا اني فوجئت ان والدي لا يرضى على ذلك التغيير وهو يقول ما معناه (اصبح العراق كالدار المؤجرة كل موسم لها مستأجرين جدد) ولم اكد افهم مغزى مقولته الا عندما كبرت وحاورته فقال لي ان الثوار اتحدوا من اجل اسقاط الملك واختلفوا على مناصبهم وصدق قوله في جمهورية العراق الثانية (الانقلاب العسكري الاول عام 1963 ) ... وما اشبه اليوم بالبارحة ..!!

    مع بدايات ثورة عبد الكريم قاسم كنت ارى تغيرا ملموسا في حركة القرويين في مدينتي وبدأت افواج منهم تتوافد على مدينتي فكنت اتسائل فأفهم على قدري ان الاقطاعيين هربوا وتحرر الفلاح من استبدادهم وظلمهم وما هي الا سنة ونيف حتى صدر قانون الاصلاح الزراعي الذي حدد ملكية الاراضي الزراعية بسقف قانوني وصودرت الاراضي التي تزيد على ذلك السقف ...

    عندما كبرت وتطوعت للبحث عن الحقيقة عرفت من هم الاقطاع فهم مالكي الارض الزراعية الشاسعة وعرفت في بحثي المتقدم في الثمانينات من القرن الماضي ما هو ادهى وامر ... !! عرفت ان الاقطاع في غالبيته ووسعة اراضيه الشاسعة المملوكة هو وليد الغزو البريطاني فقد كان العراق في ظل الحكم العثماني يسقي الارض بمساحات تغطيها تقنيات بدائية (الناعور) وهو جهاز خشبي يدار بواسطة البغال يرفع الماء اربعة او خمسة امتار ليسيح في الساقية لحدود لا تزيد على 1000 متر عن ضفة النهر في احسن الظروف ... عندما دخل البريطانيون العراق استقبلهم كثير من الناس كما جرى في 2003 واولئك المتعاونون مع المحتلين شغلوا مناصب عليا كثيرة في الحكومة الملكية الوطنية ..!! كما جرى في 2003 ... وتم تعيين اغلبيتهم في مجلس الاعيان فحصلوا بموجب برامجية مسبقة الاعداد على تقنيات السقي الميكانيكي الحديثة التي تدفع مياه النهرين الى نقاط قد تصل الى 35 كيلومتر عن حافة النهرين مما زاد في وسعة الاراضي الزراعية بشكل كبير جدا وحصل اولئك المقربون المدللون على ملكية تلك الاراضي وكانت برامجيتهم مسبقة الاعداد بشكل واضح كما سنرى فكثير منهم لم يكونوا فلاحين او من اصول فلاحية اساسا وفيهم مهاجرون حديثي العهد بالتوطن في العراق .... فاصبح الفلاح مستعبدا في تلك الاراضي نتيجة ان ملاك الارض هم الاسياد الرسميين للدولة الملكية سواء كانوا شيوخ عشائر او سياسيين علمانيين فحصل الظلم والتمرد في قصة الحدث المبرمج وكانت الساحة المجتمعية والسياسية مهيئة لثوار الجمهورية الاولى ان يتحركوا ببرامجيتهم بنجاح منقطع النظير نتيجة اختناقات صنعت وفق منهجية مسبقة الاعداد وحدث فعلا ان رقص الشعب العراقي لقانون الاصلاح الزراعي واكثر الراقصين كانت من الطبقة الفلاحية والعمالية خصوصا وان الفكر الشيوعي كان قد غزا المجتمع الشبابي نتيجة طغيان الحكم الملكي واستبداد جلاوزته وانتشار الرشوة والفساد في جسد الدولة الادارية ... ساعد في ذلك نجاح البهرج الحضاري وميل امريكا والغرب صوب اليهود المحتلين مما دفع الشباب ذو الدم الساخن الى امتطاء الشيوعية من اجل وازع ثوري قومي ووطني فكانت الضحية هي العقيدة الاسلامية في اقسى ضربة موجعة لها على غفلة من حكمائها ..!! والا كيف ينتشر فكر ملحد وسط عقيدة الاسلام ..!! ما لم يكون هنلك خطة محبوكة وهنا ليس طعنا في الشيوعيين بل وصف حال لاستقبال الفكر الشيوعي رغم تناقضه العقائدي الا انه كان يمثل مركب ثوري ليس له خيار توأم ...

    قائد ثورة التحرير عبد الكريم قاسم قام في بدايات الثورة باخراج الاقتصاد العراقي من دائرة الهيمنة الاسترلينية وحرر الدينار العراقي من التغطية الاسترلينية فاصبحت اموال العراقيين (سيولة الدينار العراقي) مجرد ورق مطبوع (عملة محلية) واستطاع ان يستخدم خزين التغطية الاسترليني في مشاريع بناء الجيش وتسليحه الفخم لغرض تحرير فلسطين وكنت اسمع احاديث الاهل والناس وهم يفخمون ذلك الموقف الجبار بسبب التعاطف الجماهيري الكبير مع قضية ضياع فلسطين بين ايدي اليهود الذين يعتبرون العدو رقم واحد للاسلام ... كما ظهرت في الساحة العراقية حمى توزيع الاراضي السكنية في المدن بدراهم بخسة للغاية واستعرت تعيينات وظيفية هائلة كما جرى بعد 2003 وحفرت قنوات زراعية كقناة الجيش في بغداد وبناء سد دوكان ودربندي خان وسد الثرثار والحبانية وسط اهازيج شعبية عارمة وغفلة جماهيرية قاسية فمثلا كان يوم 1 ايار عيد العمال يمثل كرنفال شعبي يعلن عن مصادقة جماهيرية لما يجري في دست الحكم الرسمي مع سماع خافت لخلافات ناصرية قاسمية ومعارضة سياسية تكاد لا ترى الا حين اعلن عن محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد في 1959 ... كان شعب بغالبيته يغني (عبد الكريم كل القلوب تهواك) وسط خطاب رسمي سياسي ثوري عسكري ناري وضع الجيش (فوق الميول والاتجاهات) وكأن الدنيا ستكون بين يدي ذلك الضابط المتمرد على اسياده ..!!

    الانفاق المفاجيء للاموال في ساحة عراقية ادى الى تحسن كبير في دخل الفرد اليومي وارتفع اجر العامل غير الماهر من 150 فلس ايام الحكم الملكي الى 250 فلس ايام الحكم الجمهوري ... من جهة اخرى حصلت برامجية ذكية من قبل مصمم الخطة العراقية فقد منح قانون الاصلاح الزراعي والتعليمات التي صدرت بعده لتسوية الاراضي المصادرة حقا للاقطاعي باختيار الجزء الباقي من سقف حصته القانونية فقام الاقطاعي باختيار الاراضي المطلة على النهرين كتحصيل حاصل لخسارته الاستثمارية وبالتأكيد كانت مكائن الري ضمن تلك المختارات مع العلم ان القانون لم يصادر مكائن الري ..!! ولم يضع طريقة لتشغيلها من قبل الدولة او من قبل الجمعيات الفلاحية الفتية ..!! كما ساهمت ايران الشاه بتلك الخطة فاغلقت نهر (الوند) الحدودي مما دفع الفلاحين الى هجرة متزامنه مما يدلل على قدرات المصمم الفائقة في استخدام ادوات ميدانية فعالة كما يدلل على أممية الخطة ضد اهل العراق ... وما هي الى سنة ونيف من القانون حتى وجد الفلاح العراقي نفسه يمتلك سند حق التصرف في الارض ولا يمتلك وسيلة سقي مزروعاته مما ادى الى استيراد الرز (البسمتي) والحنطة بعد قرابة سنتين من قانون الاصلاح الزراعي وحصلت هجرة فلاحية واسعة لكل الوية العراق (المحافظات) وتركزت اعداد هائلة في صرائف طينية في مدينة الثورة ومدينة الشعلة في بغداد وفي كل مركز محافظة وقضاء حصل نفس الشيء وبزخم هائل لا تزال تحمل الذاكرة سرعته وفورانه فتورط الفلاح في مدنيته الجديدة البائسة ونتيجة للتغير الذي حدث في الجمهورية الثانية (انقلاب عبد السلام عارف عام 1963) تدهور الوضع الاقتصادي فجأة وبشدة (سحب البساط من تحت الاقدام) بعد ان نفدت اموال العراق الاسترلينية التي حازتها الحكومة القاسمية وتراجعت بشكل مخيف معدلات الاستثمار الفردي مما جعل المهاجرين القرويين الوديعين الودودين يمثلون ءافة مجتمعية في بغداد ومراكز المحافظات والاقضية وتراجع كل شيء بلا استثناء وبدأت اخلاق الجماهير القروية المهاجرة الى المدينة تتراجع وفقد الودود وده وانقلب الوديع الى شرس وفق خطة محكمة الاداء عميقة الهدف ...

    عند قيام ثورة تموز وبعد حملها البهيج الاول شكلت مليشيات سميت (المقاومة الشعبية) احتوت الشباب وغالبيتهم من حملة الفكر الشيوعي الذي عانى من السجن في الحكم الملكي او اصول فلاحية عانت كثيرا من الاستبداد والظلم الاقطاعي او في الشارع الجماهيري بالفقر الشديد والضياع القاسي وعند البحث لاحقا في منظومة السجون في العراق والتي سجن فيها غالبية اولئك الشباب اتضح لي بالبحث العنيد ان السجون كانت تمثل مصانع تصنع رجالا خارجين على النظم بكل صفات قنوات الخروج على النظم المجتمعية والدينية والاخلاقية وكانوا يحملون من الشراسة اشدها نتيجة القساوة التي استخدمت ضدهم وبما انهم اصبحوا مسلحين في مليشيات مدعومة ثوريا ملأت الشوارع فحدث ان زمام الاخلاق بدأ يتردى في المجتمع العراقي وتحمل ذاكرتي تجاوزات قاسية حصلت ضد المجتمع واصبح العراقيون ينهشون بعضهم في ساحات صراع متعددة ... وما هي الا برهة زمن حتى انقلب عبد الكريم قاسم على الشيوعيين ومزقهم شر ممزق وحشرت غالبية تلك المليشيات في السجون والمعتقلات المعروفة ببرنامجها القاسي دون تهمة او محاكمة وتحمل ذاكرتي عويل امهات لمعارفنا وعدد غير قليل من عمال مصنعنا وفجأة وبلا مقدمات اطلق سراح اعدادا كبيرة منهم قبيل سقوط الحكم القاسمي بحيث يمنح الباحث مركزية فكرية مؤكدة انهم صنعوا صناعة للخروج على النظم مرة اخرى ليكونوا ضمن حلبة صراع اقسى في الحكم البعثي العارفي وهنا في هذا المفصل من الخطة تم تفعيل البعثيين بواسطة الشيوعيين الذين امتلكوا قساوة مصنوعة في سجونهم ..!! فانتقلت شراسة الشيوعيين الى البعثيين في صدام مسلح قاسي فاقدا للخلق الوطني والقومي والديني والاجتماعي في شوارع بغداد في الرابع عشر من رمضان عام 1963 واستمر لاكثر من عشرة ايام كانت كافية لان يشرب الثوار الجدد الدم العراقي ..!! لتقسى قلوبهم ..!! ونرى بعد هذا العجب ...

    ساواصل بمشيئة الله تقليب الذاكرة واربطها بمصمم الخطة العراقية كلما استوجبت ضرورة الربط مع التأكيد ان ذاكرتي الشخصية لم تكن تحمل مرابط الحدث مع خطة المصمم عند رسوخها في الذاكرة في زمن الحدث فالمرابط التي تربط الحدث بالحقيقة هي وليدة بحث متقدم تألق بين يدي بين عام 1984 لغاية 1990 وكان سبب التألق هو نور القرءان الذي بدأت ارى فيه سنن البحث عن الحقيقة كما فعل ابراهيم في البحث عن حقيقة الخالق ...

    املي كبير في ان يدرك متابعي الفاضل ان جهدي ليس سياسيا وليس لي عداء فئوي فكري او عقائدي فكل الفئات العراقية اخوتي وهم ضمن مصيدة المصمم ودقة وقوة حبك خطته وان جهدي يصب في رافد عقائدي يسعى الى امل في التغيير الجذري من اجل اهلنا واولادنا واحفادنا في عراق اليوم بكافة اطيافهم ...

    الى لقاء في ذاكرة عراقية (2)



    الحاج عبود الخالدي
    قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

    قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ


  • #2
    ذاكرة عراقية (2)

    من اجل حضارة اسلامية معاصرة


    كانت الثورة العارفية الاولى عام 1963 تمتلك خطابا سياسيا بعثيا كما هي رديفتها الثورة القاسمية قبلها التي امتلكت خطابا سياسيا شيوعيا وحصل نفس البرنامج عندما اطاح عبد السلام عارف بالبعثيين كما اطاح الحكم القاسمي بالشيوعيين في تكرار منهجي غريب عجيب يذهل الباحث المستقل فكريا عن السياسة واهلها لانه يرى مكعبات ملونة مختلفة الالوان متحدة الابعاد تتكرر على المشهد العراقي بشكل يلفت النظر ... يقيم العقل ولا يقعده ...

    بالامس القاسمي مليشيات ( المقاومة الشعبية ) تملأ الشوارع وتسحق الود العراقي بين صفوف الناس بمختلف اطيافهم وفي يوم من سنة 1963 مليشيات (الحرس القومي) تسحق الود بين الناس وتنزع منهم وشائج الوصال باتجاه معاكس للامس القريب مما عرض المجتمع العراقي الى هزة اجتماعية كأنها رجة كهربائية في جسد سليم وتحمل ذاكرتي فرقة اخوة في بيت واحد فمنهم من هو بعثي ومنهم من هو شيوعي ومثلها كل البؤر الاجتماعية في المصنع والمقهى والسوق التجاري فاصبح الوفاق الاجتماعي للنسيج العراقي كثير الفتوق ولا يصلح للترقيع تحت مظلة وطنية او عرقية او عقائدية بسبب اعتداءات متبادلة ودماء استبيحت وسجون مزقت وداعة النفوس واضافة لتلك الفتوق خرقت الهدنة الكردية الشفافة والتي صنعها عبد الكريم قاسم ونحن لا نزال في العهد القاسمي ولم نصبح بعد في الحكم العارفي وازدادت وسعة الخلاف الكردي الرسمي تحت شعارات رنانة واهازيج وطنية عملاقة ..

    سرعان ما ملئت السجون والمعتقلات بالشيوعيين الذين حاربوا البعثيين بشراسة في شوارع بغداد وبعض المدن ولكن وحدتهم في السجون لم تطول زمنا بعيدا فقد اردفوهم بالقوميين الناصريين في ذل وهوان لغرض صناعة المنهجية الشرسة فيهم استعدادا لمرحلة قريبة آتية وهو تكرار لعملية سجن الشيوعيين في العهد القاسمي فاصبحت السجون تعج بالشباب وسط اختناق جماهيري حاد وصراعات اجتماعية واحدة تهاجم والاخرى تشتم حتى ان الذاكرة حملت كثيرا من المشاجرات بين ذوي هولاء وذوي هؤلاء وتم تصنيف المجتمع العراقي الى ثلاث اصناف تتسابق الى السلطة .. شيوعية وبعثية وقومية ناصرية ...

    لم يمر على الانقلاب العارفي حمل بهجتها وقبل ان يتجاوز عمر الانقلاب تسعة اشهر حتى اطاح العارفيون بالخطاب السياسي البعثي في ارتداد منهجي داخلي كان الاكثر خطرا في تمزيق النسيج العراقي كما نرى احداث بعد 2003 وزحمتها المتقلبة وامتلأت السجون باكثر من صنف من المعتقلين وهو نسخ وتكرار لانقلاب القاسميين على الخطاب السياسي الشيوعي عند ربيع ثورة تموز .

    تدهور الاقتصاد الوطني بشكل خطير وكانت عائلتي بالكامل تعاني من اختناق اقتصادي دمر كيانها الذي كان يعتمد بالدرجة الاولى على التصدير التجاري الى الحجاز الذي توقف يوم اول صيحة قاسمية في 1958 حيث اغلق حكام الحجاز الحدود مع الجمهورية الفتية وملئت الحدود حرسا شديدا قطع حتى محاولات التهريب الخارج من العراق ولكن التهريب الداخل الى العراق من الحجاز كان يسري بشكل كبير ومضاعف مما يمنح الباحث عن الحقيقة مؤشر لمرحلية آتية تقوم بتدمير الاقتصاد العراقي المنتعش من خلال تحويل سيولة العراقيين ومدخراتهم الى سلع استهلاكية تنخر الاقتصاد وتوهنه كما يجري بعد 2003 وليومنا الحالي ..!! الا ان اعادة تفعيل الاقتصاد العراقي باموال التغطية الاسترلينية للدينار العراقي في الحكم القاسمي انعش الاقتصاد العراقي ورفع الدخل الفردي بشكل ملفت للنظر منح الجماهير املا كبيرا في الرقي والبناء والتقدم ولكن سرعان ما تهاوى ذلك المد الاقتصادي عند اعلان الحكم العارفي عن تأميم الشركات الوطنية المملوكة للاشخاص والاستثمارات الاجنبية المسجلة قانونا في العراق فانكفأ الاقتصاد بشكل مفاجيء وخطير ادى الى ظهور بطالة جماعية حادة وقاسية وسريعة خصوصا في الجماهير القروية التي استدرجت من ديارها الى حاضرة المدينة الجافة في عطائها ولا تزال ذاكرتي تحمل الزخم الكبير والكبير جدا في طلب العمل في مصنع والدي بشكل كان يؤثر على مزاجه الشخصي من كثرة الوساطات والتوسلات حوله ... بدأت الاخلاق تنهار ... كان الناس في الحكم الملكي وشيئا من الحكم القاسمي يتركون محلاتهم التجارية مفتوحة اثناء استراحة الظهيرة ويذهبون الى بيوتهم وهم قريري العين ان سلعياتهم سوف لن تمتد اليها يد السراق او العابثين رغم كثافة القرويين في المدينة وهم الاكثر خصوصية بانبهارهم بتلك السلعيات البراقة المذهلة بالنسبة لهم والحديثة في ربيع نهضة التقنيات والمستوردة من مراكز الصناعة العالمية الغربية واليابان ... ذاكرتي تعتصر ادق التفاصيل عندما كانت الرياح تبعثر الستارة التي يتركها صاحب المحل التجاري لتغطي سلعياته لا للحفاظ عليها بل للدلالة على ان البيع متوقف بسبب استراحة الظهيرة وسط حشود قروية متنوعة الاطياف ..!! حيث كانت اعز السلع بلا حراسة او اقفال دون ان تمتد اليها يد المحتاجين لرغيف عيش واحد والذاكرة نفسها ترسم حال العراقيين اليوم ..!! اولئك كانوا الاباء والاجداد ... ولكن المخطط الاسود انتزع من الشرفاء اخلاقهم تحت ضغوط لم يكن ردها وتحجيمها ممكنا خصوصا وان خطة المصمم استهدفت امتصاص الحكماء ورجال الدين والمثقفين في مركب وكأنه يدار بايد عراقية ولكنه في حقيقته يمتلك مقود يتحكم به المصمم عن بعد مما افقد ذلك الجيل الحكمة التي كان يتوجب عليه بموجبها ان يرصد الفاعل الحقيقي ليجتث وجوده التنفيذي من خلال خطته السوداء فاصبح الناس بلا حكماء لان الحكماء تمت برمجتهم وفق نظم جلب فكري او ميداني ولا ننسى ان كل شريحة من كل مجتمع فيها من يبيع الضمير بدراهم بخسة فكانوا هم الرواد الذين يتقدمون رعيل الحكماء الذي يغادر موقعه الوجداني تجاه ابناء جلدته ... رغم ان حكماء الامس كانوا اكثر رصانة واكثر شأوا وتأثيرا في الجماهير الا ان تكرار نفس المنهجية مع حكماء اليوم يمنح الباحث رؤيا اكثر صفاءا ونقاءا ليدرك حجم المؤامرة ودقة مفاصلها وقوة حبكها ... فما اشبه اليوم بالبارحة بل اليوم اكثر قساوة من البارحة لان جيل الحكماء اليوم هم اولئك الجيل في العهد القاسمي والعارفي الذي شرب الدم وفقد كثيرا من الود الاجتماعي فاصبح حكيم اليوم يبيع حكمته تحت ناصية فكرية دفينة في عقله تقول (يا انا) لذلك كانت همة الحكماء الواضحة هو حقن ارقام مالية تتسارع الى الحيازة بعد ارث الكرسي الصدامي ..!!

    التأميم العارفي لشركات القطاع الخاص كان غدرا اقتصاديا رخيصا جدا تسبب في موت الصناعة في العراق وعلينا ان لا ننسى ان عراقة الصناعة والتجارة العراقية تمتد جذورها الى العهد العباسي والعقل الصناعي كان يتميز باصالته وتقدم المستثمرون العراقيون في العهد الملكي فسجلوا حضورا اقليميا وعربيا رائدا في صناعات الاسمنت والنسيج والصناعات الغذائية والمعدنية وكان الميناء العراقي الوحيد في البصرة واحد من اقدم ثلاث موانيء في العالم وكان زهرة الخليج ..!!! القانون رقم 80 القاسمي الخاص بالنفط وقانون الاصلاح الزراعي دفع الكثير من ذوي رؤوس الاموال الى الهجرة وجاء تأميم الشركات الخاصة العارفي باخراج اخر ما تبقى من رؤوس الاموال فاصبح الاقتصاد العراقي في هاوية سحيقة ...

    الوصف السابق لم يكن لاغراض تقرير اقتصادي بل لربط الخطة الجهنمية الباغية بمفاصلها المركزية حيث كان ولا يزال الاقتصاد الجماهيري مفصلا مركزيا في خطة المصمم فقد جاع العراقيون ... عطش العراقيون ... افقر العراقيون رغم غناهم ... ساحت الاخلاق سيحا تحت الاقدام فسحقت ... من كان بالامس امينا اصبح غير امين .. من كان بالامس يعتز باصالته اصبح يبحث عن الدينار تحت أي اصالة مفتعلة حتى ولو كانت بذيئة فكثر المتسولون والسراق واصبح المجتمع لا يأمن على شرور بعضه لبعض فاصبحت المحلات التجارية التي كانت تترك مفتوحة في استراحة الظهيرة تغلق باقفال محكمة ومع كل الاحتياطات كسرت اقفال محل تجاري يعود لوالدي وضح النهار وتم التجاوز على بعض محتوياته ..!!

    العجيب الغريب في تلك الفترات القاسمية والعارفية وما بعدها ان السجون كانت تملأ بالمجرمين ولكن سرعان ما يصدر عفو رئاسي باطلاق سراحهم وكأن السجون هي عبارة عن كليات مثل كلية الطب التي يدخل اليها التلميذ ليخرج منها طبيبا فالسجون مثلها يدخل اليها ذو المخالفة او الجنحة المرتمي بشظف العيش ويخرج منها مجرما محنكا قد صنع منه السجن رجلا ضديد الود والوداعة ...

    الحكم العارفي لم يستخدم المليشيات في منظومته ولكنه وسع دائرة الشرطة السرية التي لعبت دورا اخطر من المليشيات في تمزيق النسيج الاجتماعي فاصبح الجار لا يأمن ان يكون جاره في الشرطة السرية فيرفع فيه تقريرا يمزق كيانه وازداد تمزق اللحمة الاجتماعية بفاعلية وكأن المجتمع العراقي نادي للاعداء فتقوقعت مجاميع من الناس محافظة على ودها الى مجاميع اخرى استعرت حركة في الميدان تعتدي على الودودين رويدا رويدا فكان الخارجين على الود في تزايد مستمر .

    استعرت الحرب مع الاكراد وحمل الجيش العارفي حملات قاسية ضد القرى الكردية وزحف الجيش الى مشارف مركزالقوة الكردية المقاتلة والعساكر تحرق الاخضر واليابس واصبحت مناظر نعوش الشهداء معتادة في الشوارع وامتنع الناس من تزويج بناتهم للشاب الذي لم يكمل العسكرية الالزامية خوفا من موتهم في الشمال وترمل بناتهم كما منع الأهل صبيانهم من التطوع الى الجيش واحتظن الجيش مهنيين متطوعين من مهاجرين اكراد يحملون شراسة القساوة ضد قراهم فظهرت ظاهرة حفرت موقعا في الذاكرة حيث كان ضباط الصف المتطوعين في الجيش من غالبية كردية مهاجرة حتى قامت احياء سكنية كردية قرب المعسكرات الدائمية للجيش في عموم المدن التي يعسكر بها الجيش في خطة مبرمجة متزامنة مع التمشيط العسكري لقرى الشمال وبشكل قاسي كان ينقل تفاصليها جنود من اهلنا شاركوا جبرا في تلك المساجلات العسكرية في اراضي وعرة لا يمتلك الوسطيون والجنوبيون قدرة الحركة فيها ..!! وتحمل الذاكرة قصصا مروية من الميدان تدمي القلب ويتفطر لها الصخر ..!!

    ولدت الفرقة المذهبية في سلوكيات غير مباشرة في الحكم العارفي يصاحبها شعب يسير متسارعا في عملية تقطيع حبال الود بين نسيجه سواء كان التقطيع الشرس اقليمي او عرقي او مذهبي ... نجح الانبات للبذرة الطائفية في الحكم العارفي وفقدت الشيعة وداعتها وتم اسغلال المآتم الحسينية للهجوم الكلامي الشرس على الحكم العارفي دون ان تتخذ الحكومة العارفية اجراءات قمع ضدهم بل سارعت الى نزع سلاح الشرطة المحلية والانضباط العسكري في المناطق التي تتواجد فيها المراسيم الحسينية فظنت جماهير الشيعة التي تم نزع الود والوداعة من نفوسها في العهد الملكي ومن ثم الجمهورية الاولى والثانية فتصور اولئك الشرسين الشيعة انهم اقوياء فاستعرت نفوسهم بشراسة مصنوعة مسبقا وتم كسر حاجب الود المذهبي في المجتمع العراقي بشكل مبرمج فتم بعد مقتل عارف تشكيل حزب يحمل الهوية الشيعية وضم جماهير كبيرة على امل ان تقوم لهم قائمة ... الا ان (أحدهم ..!!) ملك قدرا جيدا من الحكمة وربما يكون قد عرف اللعبة فاصدر امرا بحل ذلك الحزب وتفكيك كوادره

    قتل عبد السلام عارف في حادثة طائرة مروحية جنوب العراق وخلفه اخاه وهو ضابط اعاشة غير ممدوح في اتقاد قدراته القيادية وقد تم تنصيبه بشكل ملفت للنظر وسط استغراب جماهيري لان شقيق الرئيس المقتول لم يكن يشغل مساحة سياسية تؤهله للجلوس على كرسي الرئاسة حيث كان يتصدى للعمل السياسي اسماء لامعة ملكت عقلانية متقدة وهي معروفة المنهج ... الا ان خيوطا غير مرئية وضعت للمقعد الرئاسي شخصية محددة الصفات لمرحلة آتية يراد منها الثأر الثوري لرئاسة متميعة فكانت الخطة المستقرأة تشير الى منح كرسي الرئاسة صفة الخمول ليكون الثائر القادم يمتلك صفة العنفوان الرئاسي وهذا ما حصل في ذاكرة غريبة اكتنزت دقائق التفاصيل لتفرغها على حرج خطر في حيازة الناس ان كتب لها ان تسري في عقول الناس ... فهي ذاكرة جيل وما هذه السطور الا تذكيرية لتذكر من نسي تلك الاحداث ومرابطها في المؤامرة

    الى لقاء في ذاكرة عراقية (3)

    الحاج عبود الخالدي
    قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

    قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ

    تعليق


    • #3
      ذاكرة عراقية (3)

      من اجل حضارة اسلامية معاصرة

      امتاز الحكم العارفي في مرحلته الاخيرة بالهدوء السياسي المفروض والاستقرار النسبي وسط هيجان جماهيري يطالب بالتغيير ووضع الحلول خصوصا في المفصل الاقتصادي المتهريء واللحمة الاجتماعية المتصدعة كثيرا ... في المرحلة الاخيرة من الحكم العارفي ظهرت مؤثرات عرقية ترتبط بالتفعيل المذهبي من خلال الضغط الاداري لفرز الاصول العراقية عن الاصول الفارسية في لعبة قديمة ولكنها لم تكن فعالة عند ولادتها حيث كانت قد وثقت في برلمان الثلاثينات ابان حكم رئيس الوزراء (الهاشمي) الذي اصدر قانون شهادة الجنسية العراقية الذي ركز على منح الجنسية للاصول العراقية المستقرة من العهد العثماني واستثناء المستوطنين بعد عام 1920 ... الحكم العارفي وضع في ادارياته الرسمية فرض وثيقة شهادة الجنسية العراقية كشرط لشراء العقار او التعيين الوظيفي او الدراسة الجامعية والانتساب للجيش وغيرها مما فعل ذلك القانون القديم المهمل نوعا ما

      الغريب المرصود في تلك الحقبة ان شهادات الجنسية العراقية افرزت العروق الفارسية بنوع من الشهادات اطلق عليها اسم (التبعية الايرانية) في حين حصلت الفئات العرقية الارمنية والتركية والباكستانية وغيرها على شهادات الدرجة الاولى وبالتالي اصبح في المجتمع العراقي فئة فارسية تحمل وثيقة عراقية قلقة ... دفع الناس دفعا اجباريا لاستصدار وثيقة شهادة الجنسية لحاجاتهم الرسمية وانشطتهم المدنية ... الاثارة الرسمية للحكومة العارفية كانت لغرض البديء بعمليات فرز مجتمعي استفزازي سجل على الصفحة المذهبية الساخنة لان تلك الفئة كانت من الشيعة حصرا .

      حرب الايام الستة في فلسطين عام 1967 افرزت وهناً حكومياً واضحاً ادى الى نقمة الجماهير على الحكومة العارفية واصبحت الجماهير تسخر من مواقف الحكام ازاء تلك الحرب التي انحسرت بالاناشيد الاذاعية مما اوهن الكرسي الرئاسي كثيرا وزاد من مقت الجماهير للبرود الحكومي ... الوهن الحكومي لم يكن منطقيا لان الحكم العارفي هو امتداد للنظرية الناصرية وكان من المنطق ان يكون العراق في قلب المعركة مع عبد الناصر الا ان الوهن الحكومي اكتفى بارسال وحدة عسكرية صغيرة لما يشبه الحضور الرمزي في الاراضي المصرية مما يجعل الباحث مذهلا امام صلافة المصمم وعنفوانه التنفيذي بسبب جدار الغفلة الجماهيري يزداد سمكا وفق منهج دقيق ..!! فالمصمم لا يخشى شيئا لان الغفلة سارية بامتاز ...

      عندما قامت ثورة 17 تموز في 1968 كانت الجماهير المتعبة والممزقة مهيأة لاستقبال حكومة قوية غير راكدة تخلف حكومة عارف الواهنة او الروتينية فمرت الثورة دون أي صراع جماهيري (لا منطق) والغريب في تلك الحقبة هو الفكر القومي والفكر الشيوعي الذي اقر هدنة غير معلنة مع البعثيين وتلك كانت في رصد حالة اغرب من الغريبة خصوصا وان القوميين كانوا في دست المسؤولية ولكنهم لم يقاوموا الثورة التي سموها بالبيضاء وقاموا بتسليم الامر الى الانقلابيين الجدد في بغداد وسط ذهول حديث جماهيري تلتقطه الذاكرة لتضعه في مشغل البحث بعد عقد من الزمن حيث ترى فيه خيوط المؤامرة ومنطقها الذي يخالف منطق واقع الحال بشكل كبير فقد كان من المفروض ان القوميين يقاومون الانقلاب لانهم هم الذين طردوا البعثيين في 1964 اما البعثيون فكان من المفروض ان ينتقموا من القوميين على غدرهم الذي وقع بعد نجاح انقلاب 1963 على الحكم القاسمي وكانوا مادة الثورة في قتال الشيوعيين .. الاغرب من ذلك كله هو ما قام به الانقلابيون البعثيون تجاه عدوين استراتيجين سابقين تربطهم معه صفحة دموية ساخنة لا تزال طازجة فكان البعثيون ودودين للغاية مع اعدائهم وسارعوا الى استقطابهم ودعمهم من خلال عملية سريعة في ايام الثورة الاولى بقراراعادة المفصولين الشيوعيين لوظائفهم وعدم التحرش بالقوميين في وظائفهم الادارية غير السياسية ولم تجري عملية اعتقال لعناصر الناصريين بعد نجاح الثورة البيضاء كما سموها في بغداد ..

      الود البعثي زرع الامل في نفوس الجماهير وسارع الانقلابيون الى ارضاء جماهير الشيعة في الايام الاولى للثورة البيضاء من خلال تمليك منطقتي الثورة والشعلة لساكنيها الشيعة وهم جماهير القرويين المهاجرة في الجمهورية القاسمية والعارفية وكانت تلك المبادرة بمثابة بطاقة خضراء غريبة في ذلك الغزل الرسمي غير المتوقع مع القاعدة الفقيرة للشيعة كما منح كل القرويين المهاجرين في المحافظات حق تملك اراضي البيوت التي يسكونها ... فبدأت رقصة جديدة للجماهير العراقية تشبه الرقص الجماهيري مع الحكم القاسمي وسط اعلانات متكررة من الثوار الجدد بوعود تحويل العراق الى جنة خلد لا مثيل لها

      بدأت الدولة الثورية الجديدة بمنطقية اصلاحية منقطعة النظير مما خفف من الاحتقان المجتمعي واختفاء مظاهر النزعة المذهبية والعرقية واصبحت لغة التفاهم مع الاكراد قاب قوسين بعد ان توقفت العمليات العسكرية في شمال العراق وشهدت ساحات القتال هدنة غير معلنة ...

      قامت الحكومة في سنتها الاولى باستصدار قانون الايجار الذي غدر وبشكل رخيص بحق الجماهير في استثمار العقار فاصبح المستأجر يمتلك سلطوية على المأجور يحميها القانون فسقطت ثالث بطاقة استثمار بعد ان اسقط القاسميون بطاقة الاستثمار الزراعي بمصادرة الملكية للارض الزراعية واسقط العارفيون بطاقة الاستثمار الصناعي بتأميم شركات وطنية خاصة واسقط البعثيون بطاقة الاستثمار العقاري بقانون ايجار يحرم المالك من سلطانه على عقاره فاصبح الشعب العراقي بكامل طاقاته اسير ميزانية الدولة واصبح الدخل القومي يقرأ في المؤشر الحكومي فقط والغي دور المواطن تماما في رسم مستقبل اقتصادي متنامي تلقائيا .... وفي رقابة اللامنطق في ذلك القرار ظهر عندنا ان نسبة العقارات المؤجرة في العراق منخفضة جدا قياسا بالدول الاخرى فهي لا تزيد على 5% من اصل الثروة العقارية في كل الاحوال وكانت الدولة توزع الاراضي السكنية بكثافة وبثمن بخس جدا جدا وكان المصرف العقاري يمنح سلف مريحة الاسترداد تكفي لبناء سكن يفي بحاجات الفقراء والحد المتوسط ولم يكن أي مبرر لقانون الايجار من الناحية المنطقية الثورية او الاقتصادية او المجتمعية كما ان شمول العقار التجاري بقانون الايجار يضع الباحث يرصد خيوط الخطة الخفية لتدمير بطاقة الاستثمار العقاري بالكامل وهو حق طبيعي تتمتع به كل شعوب العالم لان حماية المواطن المستأجر قد تعني نوعا من المنطق اما حماية التاجر او الحرفي المستأجر لا تمتلك أي منطق .

      نؤكد لمتابعنا الفاضل اننا نرصد النتائج في زمن بعيد ولن تكون هذه المعالجة اقتصادية بل ارتبطت بيومنا المعاصر في اسوأ اثر يراه الباحث فنرى اليوم ان ازمة السكن سببا مباشرا خفيا في عمليات التهجير الطائفي التي جرت في العراق حيث ازمة السكن منحت الشرسين من كل الاطراف المتصارعة في تهجير الاخر بحيث حصل المسلحون المنفلتة قياداتهم على سكن جاهز لعوائلهم المختنقة في سكنها تحت ازمة سكن حاد ..!! ما يضاف اليه من تدهور خطير في البنية التحتية التي تستقبل الاجيال بعد نضوجها حيث تتسارع نسبة الناضجين من الابناء في عجز تام للحصول على السكن بسبب حرق بطاقة الاستثمار العقاري منذ زمن بعيد وفقدت بضعة اجيال القدرة على توفير مساكن لها يصاحبه عجز الامة عن ديمومة توفير مساكن لاولادها بموجب قانون لا منطقي الا ان يتمنطق بمنطق خطة المصمم . والغريب الاغرب ان القانون لا يزال نافذا في ظل راية ديمقراطية ..!! وازمة السكن رافد من روافد الفساد الاداري الذي ينتشر الان بحيث يسعى كل ذي كرسي ابتزاز الاخرين من اجل توفير سكن لعائلته مما تسبب في ارتفاع قيمة العقار بمعدل 400% والنسبة مرشحة للتصاعد المستمر وهو ارتفاع مخيف له اثاره الكبرى ومنه الفساد الاداري الذي نعيشه ..


      رغم ان التنظيرات الحزبية للثوار كانت تؤكد ان البرجوازية الوطنية هي جزء من الاقتصاد الوطني الا ان القرارات الحكومية كانت تنتف اخر ريشة في اجنحة البرجوازية الوطنية واصبحت المؤسسات الحكومية هي المصدر التمويلي الوحيد وفقد القطاع الخاص دوره الاقتصادي الطبيعي لشعب عريق في الصناعة والتجارة وسحبت اذونات كافة المصارف الخاصة واعتمد الاقتصاد على جهد مصرفي واحد لمصرف الرافدين الحكومي .

      تلك الذاكرة وان كانت اقتصادية الا ان مشغل البحث فيها كالعادة ينقلها الى منهجية حكومية جديدة تشمل تصفية كافة الانشطة الفردية وصهرها في البوتقة الرسمية وذلك يعني ان الشعب يخضع الى عملية تجنيد اجباري في كل مفصل من مفاصله ولم يبق في الميدان احرارا الا جزء بسيط كانوا يمثلون اصحاب المحلات التجارية (اسواق شعبية) واصحاب الحرف والمهن الشعبية ولم تنجو تلك الفئة ايضا من عملية التجنيد الشامل حيث اجبر اصحاب المحلات على ان يكونوا وكلاء تسويق لمؤسسات الدولة التي اصبحت الوحيدة في توفير مستلزمات الحياة السلعية بما فيها بائعي المخضرات فلا يحق لقروي بسيط ان يبيع غلته الا من خلال (مؤسسة تسويق الفواكه والخضر) ولا يحق للبائع ان يكون بائعا الا ان يكون وكيلا لتلك المؤسسة وعلية ان يرفع لافتة على غلته تعلن عن اسمه ورقم وكالته .. !! كما تمت السيطرة على الحرفيين الاحرار (غير مرتبطين بوظيفة) من خلال تنشيط نقابات العمال واجبار الحرفيين الاحرار على الانتماء النقابي ... اصبح الشعب باكمله في قبضة الدولة الجديدة والدولة ترفع شعار الحرية ولم يبق من الاقتصاد الحر سوى طبقة من الكسبة وصغار التجار من الاصول الفارسية والتي لم تحصل على شهادات الجنسية العراقية فتم ترحيلهم من العراق عام 1970 بشكل سريع بموجب حملة تسفير سريعة استمرت بضعة ايام كانت تمثل هدفا ثلاثيا في افتعال ازمة ايرانية شاهنشاهية عراقية كذلك مثلت ضربة اخراس للشيعة الشرسين الذين كانوا يتحركون بشراسة قبيل الثورة البيضاء كما استهدفت ثالثا استكمال عملية تجنيد الشعب في قبضة واحدة تحت عناوين اصلاحية وشعارات حرية الشعب المثالية

      وبدأت الخطة السوداء .... اصدر رجال الثورة البيضاء قرارات حاسمة وشديدة باستبدال (دفتر النفوس) وهو هوية مدنية قديمة على شكل دفتر جيب صغير متعدد الصفحات الى (بطاقة هوية الاحوال المدنية) وهو عبارة عن بطاقة واحدة مغلفة بالبلاستك تحت شعارات تطورية لأحدثة مفاصل الدولة ولكن الغريب فيها انها كانت صارمة ولها سقف زمني قصير (اربعة اشهر) والمخالف يتعرض الى غرامة يومية ..!! احتشد الملايين من الناس على ابواب دوائر السجل المدني ... مشغل البحث الذي نملكه يتمركز في مراقبة اللامنطق ووضعه على طاولة البحث وصولا الى منطق المصمم .. كان اللامنطق في حاكمية استبدال تلك البطاقات وبسرعة فائقة ..؟؟ فكان المنطق الذي امسك به البحث يكمن في عملية تثبيت المهنة في بطاقة الاحوال المدنية وهو شرط لازم في البطاقة الجديدة .. الطالب طالب والتاجر تاجر والموظف الحكومي يحمل هويته وكانت الازمة مع العامل حيث يتوجب عليه ان يأتي بوثيقة نقابية تؤكد مهنته كعامل وكان الانتساب الى النقابة برسم قيمته (600 فلس) وهو يساوي اجر ليومين من العمل فكان ذلك عسيرا على كثير من العمال ... الا ان الرصد البحثي يغور عمقا الى مهنة (الفلاح) فقد كانت لا تحتاج الى وثيقة ..!! ويثبتها امين السجل المدني (فلاح) دون ابراز أي وثائق ... ذلك الترشيد الاداري دفع القرويين المتجمعين في المدن منذ عهد الحكومة القاسمية والحكومة العارفية السابقة ان يستصدروا هويات مدنية مثبت فيها مهنتهم الام (فلاح) لان تثبيت تلك المهنة لا يحتاج الى رسوم وبما انهم من اصول فلاحية فقد وقعوا في المصيدة ..!!

      بعد انتهاء حملة استبدال دفاتر النفوس اطلقت الحكومة النشيطة حملة وطنية جبارة تحت عنوان (الهجرة المعاكسة) من المدينة للريف وكان يقودها كبار رجال الثورة البيضاء وهم يتجولون في الريف والمزارع وسط اهازيج وشعارات بناء العراق الجديد ... بقرار ثوري وطني صدرت الاوامر الى كافة رؤساء الوحدات الادارية باعتقال واحتجاز أي فلاح يمارس عملا مدنيا في المدينة ..!! تطبيقا للحملة الوطنية في الهجرة المعاكسة ... حملت الذاكرة كثيرا من تلك الاختناقات لعوائل احتجزت في المدارس وكان هنلك ضغوط على عائلتي بالتوسط لاخراجهم الا ان صرامة الاوامر افشلت كل انواع الوساطات وخضع المهجرون للامر الواقع ومن لم يكن له ارض سرعان ما منح ارضا بحق التصرف بزراعتها بعد ان سبقتها مشاريع للري بدأها عبد الكريم قاسم وتم انجازها متزامنة مع الهجرة المعاكسة الثورية مما يظهر دقة المصمم الزمنية لادوات خطته .... كانت مشاريع الري المنجزة مسبقا تقدر بنسبة قد تصل الى 80% منها في حوض نهر الفرات فقط بحسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر متخصصة ... اهازيج الهجرة المعاكسة كانت قد استكملت فاعليتها خلال سنة او سنة ونصف تزامن معها استصدار عفو عن كل المتخلفين عن الخدمة العسكرية للسنين الغابرة والهاربين من الخدمة الالزامية على ان يتم تسليم انفسهم الى السلطات العسكرية في 1/1/1970 ومن شدة الزخم الهائل للمساقين للخدمة العسكرية فقد تم تجزأة تسويقهم على اربع وجبات بين الوجبة والاخرى اربعة شهور ... علما ان راتب الجندي المكلف كان لا يكفي لتنقله من مسكنه الى معسكره مما يزيد من فاقة عائلته عندما تضطر لتغطي نفقات اولادها في الجيش كما وضعت كثير من الشباب الصغار في وضع حرج دفعهم الى الجريمة ..!! اما الاخرون فقد سقطوا من وداعتهم ..


      جدار الغفلة ... كان ذلك الجدار سميكا للغاية بحيث لم يستطع الجمهور ادراك تلك الخطى المرسومة على خارطة بالغة الدقة .. حيث بدأت تتضح المعالم السوداء عندما فوجيء الشعب العراقي بقيام السلطات السورية بحجب الحجم الاكبر من مياه الفرات في الوقت الذي تورط الملايين من القرويين في الريف الجديد حسب شعارات الدولة ... عطش حوض الفرات عطشا شديدا خصوصا في فصول الصيف ولا حلول سوى المظاهرات الشعبية بدفع رسمي بعثي و التي تشتم السوريين وحاكمهم ..!! ... في المدينة مفارز تبحث عن كل فلاح يعمل لاحتجازه ولا يطلق سراحه الا بكفالة وتعهد بالعودة لديرته .. في الريف لا ماء ولا خضراء ... مصيدة بشرية تصطاد البشر وتقودهم كما تقاد الماشية الى التطوع في الجيش فقد فتح الجيش ابوابه للتطوع باعداد هائلة مما دفع تلك القطعان البشرية الى التزاحم على مراكز التطوع وكانت الذاكرة تسجل الازدحام الشديد الذي يقطع الشوارع القريبة من مراكز التجنيد ..!! المعلومات التي حصلنا عليها ان نسبة التطوع للجيش فتحت بمعدل 400 مرة عن معدلاتها في العهد العارفي والقاسمي واستمرت حملة التطوع على اشدها قرابة خمس سنوات ... وبدأ تشكيل وحدات جيش جديدة وفرق جديدة وصنوف جديدة .. !! والناس ينتظرون الوعود الذهبية لعراق جديد ... من مفاصل الذاكرة كنت في مراجعة عارضة لوزير الري مكرم الطالباني واثناء تواجدي في مكتبه دخل وفد شيوخ من احدى القرى الجنوبية يقول للوزير ( سيادة الوزير نحن لا نريد ماء لنزرع به بل نريد ماء لنشرب فاذا اقتربنا من ترعة آل فلان اطلقوا النار علينا وعلى حيواناتنا واذا اقتربنا من مجمع الناحية الادارية يحتجز القمائمقام او مدير الناحية نسائنا واولادنا ويقول هذه تعليمات ..!!)

      لم تكن لعبة شحة حوض الفرات اداة تلك المصيدة الوحيدة في ذلك الميدان فقد سجلت الذاكرة ظاهرة انتشار شاحنات البضائع وهي تحمل ارقام غريبة (إدخال كمركي مؤقت) حيث يعرف العراقيون ان ذلك النوع من لوحات تسجيل المركبات قليلة وهي تخص السيارات المستوردة لحين استكمال معاملات تسجيلها في الدوائر المختصة ... لكن كثرة تلك اللوحات وخصوصا للشاحنات الكبيرة كان يمثل اللامنطق الذي يستهوي رغبتنا البحثية في الامساك بمنطق الخطة فتبين ان تلك الشاحنات كانت نتيجة لاذونات صدرت لاعداد خرافية من الشاحنات ممولة من الدولة منحت الى ابناء ومشايخ عشائر متاخمة للموصل واخرى متاخمة لمحافظة بغداد لغرض تامين عدد كبير من الشاحنات لأستخدامها في نقل اسلحة مستوردة للجيش من موانيء عراقية وموانيء اردنية وموانيء في الحجاز وموانيء الكويت وبشكل مكثف حصلت على بياناته من شركة التأمين التي تؤمن على النقل البري داخل العراق فكانت الارقام مخيفة مذهلة ...

      الغريب جدا كان الاعلام الثوري ومنطق الثوار الجدد في تلك الحقبة يهاجم الملكية الاردنية سياسيا بعنف (الملك العميل) ويصف النظام الاردني باصعب الصفات كما كان الاعلام الثوري يهاجم حكام الحجاز بشكل قاسي جدا ويكيل للحكام ابشع الالفاظ (نفط العرب للغرب) الا اننا وجدنا ان قوافل السلاح تمر عبر اراضي اردنية وحجازية وكأن الاعلام الثوري لن يترك اثرا في قرار كرامة اولئك الحكام مما يؤشر بشكل مباشر حاكمية الخطة السوداء بصفتها الأممية المتداخلة مع صفتها العربية ..!!


      تزامن ذلك التجهيز التسليحي الكثيف مع اصطياد القرويين الجياع العطاشى المتطوعين للجيش وهم فرحين بما اتتهم الثورة البيضاء من خير كبير وبركات عراقية تستوجب السجود للعراق والولاء له ... تطوعوا في الجيش باعداد هائلة من حوض الفرات حتى سرى بين الناس مثلا يتداوله الكثير عنهم (مدينة المليون عريف) ..!! .. ولا تزال تحمل الذاكرة في زمن الخدمة الالزامية كم كان اولئك المتطوعون قساة مع الجندي الملكف وكأن الانسان لا يمتلك في صدره سوى وعاء الغل ولا وجود لغير الغل فيه وكان السبب المباشر هو الوجه التربوي القاسي الذي تعرض له اولئك القرويون ولكن قساوة ما مروا به زرع في قلوبهم الغل كبديل للود والوداعة مما تسبب ذلك في اختناقات مجتمعية حادة كانت تنعكس على مجمل الحياة العراقية وتفرز افرازاتها السيئة التي نراها اليوم فاولئك المتطوعون هم جيل الاباء والشيوخ في هذا اليوم ونرى سوء اهلنا وصفات السوء كأنها متأصلة في شعب اسمه شعب العراق يقتل بعضه ويعتدي على بعضه ... تلك كانت الفصول الاولى من الحرب العراقية الايرانية تم فيها تأمين عنصرين (الاول) ماكنة الحرب (الثاني) مشغلي تلك الماكنة ... اما الجندي فقد كان في خطة تجنيد شعب باكمله تم توثيق سجلاته بشكل يصعب الافلات منه ومن قبضة الحكومة الشاملة عن طريق حاكمية تجديد بطاقة الاحوال المدنية التي سبقت الحدث وهيأت له .

      تلك كانت ذاكرة تم اعتمادها في مشغل بحث (عقل) يبحث عن الحقيقة كما تحاول السطور رسمها ... ولن تكون ذات هدف تهجمي لاحد بل وصف الضاهر من الحدث في مرابط خطة سوداء خفية يصاحبها المنطق

      الى لقاء في ذاكرة عراقية (4)



      الحاج عبود الخالدي
      قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

      قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ

      تعليق


      • #4
        ذاكرة عراقية (4)

        من اجل حضارة اسلامية معاصرة
        استمر الثوار الجدد في الثورة البيضاء مهمتهم المركزية في تلك المرحلة في دائرة حشد الشعب العراقي في قبضة حكومية من خلال الاتفاق العراقي الكردي (11 اذار) فكانت اهزوجة وطنية أراحت الجماهير من قتال طويل ادمى العراقيين جميعا بعربهم واكرادهم وفي حين فرحت الجماهير فرحا لا مثيل له وهي تتصور ان القيادة الثورية قد غادرت العنف الى حياة مدنية وتطور زراعي وصناعي الا ان الذاكرة التي تربط الحدث بالحدث الذي أتى بعده مع التصرفات السابقة تتجلى الصورة التي كانت تشير الى اعداد برنامج اسود ترسمه الفئة الباغية للعراقيين على ايدي الثوار حيث ترسانة الاسلحة تتكدس وتعبئة المقاتلين تتواصل بشكل لم يسبق له في العراق مثيل تحت شعارات تحرير فلسطين واعادتها الى اهلها وانهاء الوجود اليهودي فيها وقد تم تسجيل توافقية ثورية بين قيادات المقاومة الفلسطينية وثوار العراق الجدد مع طموح جماهيري كبير بتحقيق الاحلام الوردية ويظهر سواد التصرفات الوردية بعد زمن قصير حين ينهار الوفاق الحكومي الكردي بشكل كارتوني كما تم بشكله الكاريكارتيري الاول ...

        هشاشة اتفاق 11 اذار ظهرت في البداية ومن ثم ظهرت بعد اربع سنوات حين قام العصيان الكردي تارة اخرى .. اين كان المتعاقدون من تلك الهشاشة التي ظهرت بعد اربع سنين ... ؟؟؟ مسرحية يتلقفها الجمهور وكأنها حقائق ميدان وما هي الا مؤامرة ميدان لا تظهر في يومها الاول بل حين تجمع الذاكرة متراكماتها فتظهر مقاعد الاخراج المسرحي خلف ستائر المسرح ...

        سارعت الحكومة الثورية الجديدة الى نشاط ثوري صناعي في ضخ العشرات من المصانع الثقيلة الى البلد وعلى مساحات جغرافية متباعدة تحت حجة موازنة التوزيع السكاني بنظم اقتصادية وقد شملت عملية استقطاب العمالة اليها في اسفاف متعمد وتم تعيين اعداد لا منطقية من العمال في تلك المشاريع وعندما يتم وضع تلك الشريحة من الذاكرة تحت المجهر الفكري يتضح ان الخطة السوداء تستنفذ كامل طاقتها في تجنيد الشعب العراقي وتقييده بالقيود الرسمية من خلال انتمائه الى مؤسسات الدولة ... من افلت من التطوع العسكري بسبب عدم رغبته او بسبب تقدم سنه عن شروط التطوع او بسبب ضعف قدراته البدنية تم استقطابه في تلك المصانع مع وعود ذهبية في حياة آمنة رغيدة ومستقبل عظيم وقد ساهمت عمليات توسيع الانتاج النفطي في انشاء مؤسسات عملاقة استقطبت مئات الالاف من العمال والمهنيين واعلنت ثورة الانتاج النفطي الواسع في مجمل حقول النفط واصبح النفط ممول لتلك الخطط الانفجارية كما كانوا يسمونها والعراقيون لا يعلمون ان اجسادهم هي المستهدفة وان ما يجري كان عبارة عن ادوات لخطة طويلة الاجل الغت وبشكل فعال قدرات الجماهير على صناعة قدرها الآتي وما هو الا عقد من الزمن حتى وجد العراقيون انفسهم في وحل لزج نتيجة تلك الخطة في حرب شرقية مدمرة واقتصاد يتراجع ولا بديل وطني يعوض النقص المتزايد في مجهضات الاقتصاد الوطني الداخلي بسبب تسويق شعب كامل في خطة مترامية الاهداف وقد ظهر مدلول تلك الخطة عندما تم غزو الشارع العراقي من العمالة الاجنبية وخصوصا المصرية لغرض تأمين الخدمة اللوجستية للعراقين الراقصين في ميادين القتال في اكبر جريمة ارتكبت بحق الانسان العراقي عندما يفقد المجتمع مهنيته بشكل شبه تام ولا تزال الذاكرة تحمل اقسى صور تلك المرحلة عندما كان دفن الموتى العراقيين يتم بواسطة ايدي مصرية لاختفاء اليد العراقية المهنية في كل ميدان حتى حرفية دفن الموتى ...!!!

        شعب يأكل النفط ... ذلك كان العراق الذي تم حشده في الجهد الحكومي حتى في المهن الشفافة كالموسيقى والغناء والرقص فقد تحول الفن الى جزء من الجهد الحربي في انتاج الاناشيد والمارشات العسكرية وقد شهد العراقيون فترات عصيبة ابان اشتداد الصراع على الجبهة الشرقية الطويلة جدا والتي خصصت لاستهلاك شعب عبر ثمان سنين وفق انشودة وطنية عقيمة لا يختلف اثنان على عقمها عندما اعلن ثوار العراق بعد دخول الكويت العودة الى ما كانت عليه الاحوال قبل 1980 من حيث الحدود الوطنية التي شربت كثيرا من الدم العراقي ..!!

        شفافية الثوار تألقت في اقامة جبهة وطنية تضم الاحزاب المعارضة للحكم البعثي خصوصا الشيوعيون الذين يلتقون مع البعثيين في عدائهم الامبريالي ويختلفون معهم في ايدلوجية الواجهة السياسية فكان النصر الكبير لتلك الاتفاقية المشبوهة التي لم تعيش سوى بضعة اشهر ولعل الذاكرة تسعف مشغل البحث عن ايدلوجية تلك الوحدة الديمقراطية الغريبة والتي كانت سببا في لملمة الشمل الشيوعي المتفرق والمذاب وسط الجماهير فما ان اعلنت الجبهة الوطنية حتى سارع الشيوعيون المنفلتون من شيوعيتهم الى التحشد من جديد تحت راية حزبهم المنكوب وتعالت بهجتهم وكأنهم في نصر لوجستي عظيم وهم لا يعلمون ان الجزار انما يطعم خرافه لكي لا تهزل لان وزنها عنصر مهم في تجارته ..!!

        واجهات الشيوعيين في المجتمع ظهرت بعد خفاء والسنتهم الشيوعية تحركت بعد صمت وتحمل ذاكرتي من تلك الحقبة ان اتصل بي اكثر من شخص يدعوني للشيوعية ومنهم من يدعوني الى احتفاليات ذات شعارات شيوعية وعاد اللون الشيوعي يظهر بين الجماهير بصيغة وديعة تختلف عن صيغته المسلحة الضاربة (المقاومة الشعبية) ابان بدايات الحكم القاسمي ... كنت اسمع من جيل الاباء ابتسامة ساخرة تقول ان الوفاق الشيوعي البعثي معجزة صنعها ساحر عليم لان الصراع بينهم دامي لحد ادمى مجتمع العراقيين في تاريخهم المعاصر بشكل مزري فكيف اجتمعوا على طاولة شفافة ..؟؟ وما هي الا اشهر حتى تم افتعال ازمة بين الشيوعين والبعثيين ما ان سمعنا بها اليوم حتى استعرت حمى اعتقال الشيوعيين في اليوم التالي وسرعان ما تفرق جمعهم واختفت شخوصهم من الساحة وانقلبت اعداد كبيرة منهم الى شمال العراق ليتم تسريبهم الى اوربا الشرقية وفق خطة ممنهجة ساهمت بها تركيا التي سمحت بامرارهم من اراضيها وفق سياسة (غض الطرف) عن ما يجري في القرى الحدودية واصبحت وثيقة الجواز العراقي وثيقة قابلة للبيع في تلك البقاع فخرج جيل كبير من الشباب الى اوربا وغيرها فمنهم من نجى ومنهم من غرق في السياسة او حواشي السياسة وهم اليوم في مقاعد نضالية ويملكون من الذاكرة اقسى صنوفها ومن الحرمان اقسى انواعه فاصبح العراق بالنسبة لهم (كيكة شهية) لا تشبع جوعهم ..!! تلك ذاكرة عاشت قبل الحدث ب 30 عاما لترى نتائج الخطة كيف رسمت من جذورها الاولى بزمن طويل غير مرئي زاد عن ربع قرن ...

        لم يعيش الوفاق الكردي العربي في اروقة الحكومة الثورية فسرعان ما تهرء الاتفاق وعاد العصاة الى قمم الجبال والكهوف وكانوا يشكلون في تلك الحقبة الوسط المثالي لتسرب الشباب العراقي الى خارج الحدود للخلاص من الفتك البعثي ولاكثر من فئة فبعد عام 1974 كان الشيوعيون هم الصنف الذي يعبر الحدود عبر متمردي الشمال وفي عام 1977 ظهرت فئة جديدة بعد الاحداث الدامية في منطقة الحيدرية بين محافظتي النجف وكربلاء والتي تسببت في اعدامات سريعة مما دفع باعداد كبيرة من الشباب الشيعي الشرس والتي تمت صناعة شراسته في الحكم القاسمي والعارفي الى عبور الحدود عبر المنافذ الشمالية بمباركة ومساعدة المتمردين الاكراد ..!! ولم يكون ذلك هو الصنف الاخير بل شملت اصناف كثيرة من الطيف العراقي بعد ان نزع ثوار الثورة البيضاء اقنعة الود التي لبسوها اثناء بدايات الثورة فقد اختلف شأن الود الحكومي في عام 1974 بعد ان استنفذت عملية تسويق الجماهير في زرائب معدة في جيش او صناعة او زراعة فكانت مظاهر الود قد ادت دورها فانقلب الود الى عنف ضد (اعداء الثورة) لدفعهم الى خارج الحدود لتنظيف ساحة العراق من أي خروقات محتملة ولضمان سلوكية رتيبة للجماهير ومن لا يعجبه الوضع فهنلك مسارب للخروج عبر شمال العراق وعبر سوريا التي كانت تقبل العراقيين بدون جواز سفر ..!! في تصرف غريب جدا باعتماد البطاقة الشخصية ولغاية الهزيع الاول من عمر الحرب المشرقية .. كذلك هنلك اهوار في الجنوب تم اعتمادها كنوادي للمتمردين الرافضين للمنهج البعثي الجديد وكان المعارضون والمتمردون يلجأون الى تلك المناطق النائية مع وهن حكومي مقصود في مطاردتهم لكي تكون مرتعا لسحب الاشخاص الذين يشكلون كابحات الخطة من المعارضين لها ... كان ذلك (نهاية الود) فقد شهدت تلك الفترة اعدامات سريعة لمؤامرة مفتعلة هزيلة كان الهدف منها اعلان نزع قناع الود واعلان العداء ضد شاه ايران بصفته المنسق والمنظم لتلك المؤامرة الانقلابية التي ضمت مجموعة من المثقفين رجالا ونساءا وقد برز في حينها اسم الطبيبة فاطمة الخرسان ...

        كانت احداث 1973 على الجبهة السورية اعلان رسمي كبير لهوية الجيش العراقي في تحرير فلسطين وتمحورت الشعارات التحررية لذلك الجيش من خلال مشاركته الفعالة في الجبهة السورية والتضخيم الاعلامي لوحدات من المدفعية العراقية كان كافيا لاعلان هوية جيش العراق وقد ساعد في ذلك تصريحات المسؤولين اليهود (كلما دمرنا وحدة عراقية جيء بغيرها) حيث ساعدت تلك التصريحات ثوار العراق بالصاق الهوية التحررية العربية لجيش العراق في حين لم تسعفنا الذاكرة عن اعداد تذكر من الشهداء لان عين المجتمع ترى نعوشهم في شوارع المدن وتقرأ لوحات النعي لمجالس عزائهم الا ان ذلك لم يظهر بشكل يتناغم مع تصريح اليهود في ابادة وحدات عراقية متلاحقة وهنا يبرز على طاولة البحث ادوات المصمم الاممية التي يكون الاعداء التاريخيين ادوات متناغمة مع الوطنيين من اجل الهدف ..!!

        تم اعلان هوية الجيش العراقي في التحرر العربي ابان الحشود الضخمة التي حشر فيها الجيش العراقي على الحدود السورية تحت شعار (الساحة العربية) وقد تم خلالها استدعاء اكثر من جيل من الجنود المكلفين الاحتياط وتعود بنا الذاكرة الى تلك الحقبة لربطها بالتطورات التنظيمية للجيش المعد لمرحلة لاحقة حيث تم تدشين قيادات تنظيمة ثلاث لم يكن لها وجود قديم وتاريخ تجريبي وهي قيادة الفيالق الثلاث ذات التشكيلات الفتية فكانت تحتاج الى ممارسة ميدان (تمارين) فكانت الساحة العربية ذات هدف مزدوج ولا يمكن ان يوصف هذا التخريج وصف سوء الظنون لان مسلسل الاحداث يثبت ان جيش العراق دخل الحرب الايرانية بتنظيم عالي الدقة وكان عدد التشكيلات المضافة يزيد على اصول الجيش العراقي العارفي بمعدل عشرات المرات بل اكثر وكانت حجوم المكننة فيه تمثل ترسانة جديدة فكان لا بد من تجارب ميدان ينضبط من خلالها ذلك الكم العسكري الكبير المتحرك ومن وسائل الثوار وقيادة الجيش ان تم تفعيل منهج سنوي اطلق عليه (التدريب الاجمالي) حيث اصبحت المناوارات العسكرية جزء من المنهج العسكري خلال اربع سنوات سبقت حرب الحدود الشرقية ...

        ذاكرتنا التي تربط كل شيء بالمؤامرة وتصفها بالاممية كانت فعالة في الجانب الايراني كما كانت فعالة في الابعاد الفكرية العقائدية في المجتمع العربي فما ان انطلقت الثورة الايرانية ذات التطرف العقائدي ظهر في تصريحات ثوار الاسلام هوس تصدير الثورة الاسلامية وهو يعني فأس ضد كراسي الحكام لا محال مما منح القادة العرب الحق في التصدي لتلك الشعارات من خلال تبني واحتضان الابن البار في العراق والذي سيحمي الشعب العربي في جبهته الشرقية وبشكل يجافي المنطق في الاستراتيجية البعثية التي جعلت من دول الجوار حكام امبرياليين اعداء للثورة العراقية ولكن ذاكرة الجماهير هشة ولا تربط اليوم بالبارحة دائما فقد تم في وضح النهار تجيير الهوية العربية التحررية لجيش العراق الى جبهة شرقية وليس جبهة فلسطينية كما كان نشيد جيش العراق واهله وثواره ... الثورة الايرانية الفتية التي كانت في بداياتها والتي لا تمتلك مقومات قوتها تحركت بلا منطق في شعارات تصدير الثورة وكانت تلك الشعارات اداة من ادوات المصمم الذي استطاع ان يدير دفة السلاح العراقي والحشد التطوعي الهائل الى سهام مصوبة نحو شرق العراق وليس غربه فكانت خيوط المؤامرة تتضح من تحت مقاعد الحكام على مختلف الوانها ..!! وشعب يغفو على نشيد وطني هنا وشعب يغفو على نشيد عقائدي هناك ومؤامرة ذات خيوط غير مرئية ..

        الله هو اكبر حقيقة يبحث عنها عقل الانسان .... وهو سبحانه خارج المادة ... ولا يمكن الامساك بحقيقة الخالق الا من خلال العقل ... هكذا علمنا القرءان كيف نمسك الحقيقة الضائعة رغم غياب عنصرها المادي وذلك مثل ابراهيم عليه السلام الباحث عن حقيقة الخالق ... ونحن نبحث عن خطة خفية ... ولا وسيلة الا العقل ... فهل من مدكر للعقل يرى معي ما ارى

        الى لقاء في ذاكرة عراقية خامسة



        الحاج عبود الخالدي
        قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

        قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ

        تعليق


        • #5
          ذاكرة عراقية (5)
          من أجل ان يكون في التاريخ ذكرى

          في عام 1977 حصلت تظاهرات احتجاجية في احدى الممارسات الدينية الشيعة عندما يسيرون سيرا على الاقدام من مرقد الامام علي في مدينة النجف الى مرقد الامام الحسين في مدينة كربلاء وتلك المسيرة الراجلة التي تزيد مسافتها على 70 كيلو متر تمارس في مناسبة ذكرى اربعينية استشهاد الحسين بن علي وهي ممارسة قديمة بدأت من بطن التاريخ وبقيت على سننها رغم قيام الحضارة وانتشار النقل بالسيارات .. .. تم معالجة تلك الاحتجاجات من قبل امن الدولة ومسلحوا حزب البعث بقساوة وتم على اثرها تشكيل محكمة ثورية خاصة قامت باصدار احكام اعدام سريعة بحق سبعة من اولئك المحتجين ..!! ... بعد تلك الحادثة تعرض كثير من وجوه الشيعة خصوصا الناشطين في الممارسات الدينية جماهيريا منهم الى موجة اعتقالات دون محاكمة او أي تهمة توجه اليهم وكل من كان يعتقل تختفي اثاره ولا يمتلك ذويه أي مسرب قانوني لتعقب مصيره ..!! كانت قد سبقت تلك الاعتقالات الخاصة بالناشطين الشيعة اعتقالات واسعة لعناصر الحزب الشيوعي ووصل الاحتقان السياسي والمذهبي الى الاوج وعلى حين غرة وبشكل غير متوقع حصل تقارب سياسي غريب بين حكومة البعث في العراق وحكومة البعث في سوريا واعلن ذلك التقارب بتوقيع ميثاق بين قيادتين كانتا في عداء مستعر ونتيجة لذلك الاتفاق اعلن عن امر تنفيذي غريب بل هو الاغرب في تلك الحقبة سياسيا حيث اتفق الطرفان على السماح لمواطني البلدين بزيارة البلد الاخر بواسطة وثيقة البطاقة الشخصية فقط دون استصدار جواز للسفر مما دفع افواج كثيرة من الشيعة الى السفر الى سوريا لزيارة مرقد السيدة زينب بنت علي كما تزايدت حمى السفر الى سوريا للترويح عن النفس خصوصا وان نفقات السفر قليلة مع شحة سلعية في العراق كان يغطيها المسافر العراقي من السوق السوري فكان المسافر الى سوريا يعود بمزيد من السلع والحاجات التي تشكل رغبة مجتمعية وليدة من حرمان سلعي في اسواق العراق .... تلك الممارسة الغريبة (السفر بالبطاقة الشخصية) منحت الشيوعيين وكثير من الشيعة القلقين من الاعتقال الى الهجرة الى سوريا دون المرور باي دائرة امنية تحقق في هوياتهم فالحصول على جواز السفر كان يمر عبر ترشيح امني قاسي اما الاتفاق (الغريب) بين سوريا والعراق شطب تلك الصفة فاصبح المطاردون من قبل زمر الامن قادرون على الافلات بيسر وسهولة عبر السفر بالبطاقة الشخصية فخرجت جماهير كثيرة من تلك الاصناف الخائفة من البطش وعاشت في سوريا ومنهم من حصل على وثائق اممية او ايرانية ساعدتهم على السفر الى دول العالم فاصبح للعراقيين تجمع اجباري ملتصق بصفة المعارضة رغما عنهم وقد تم تأهيل تلك الافواج الهاربة من سعير البعث والتي عاشت في غربة وطنية وحرمان فرص العمل الى تمويل الاشخاص الذين فرغت جيوبهم من المصروف اليومي وكان ذلك التمويل يمر عبر مؤسسات دينية او مؤسسات سياسية مكلفة بالانفاق على اولئك الناس مما جعلهم يديمون هجرتهم ويخضعون للامر الواقع فتحولت قطاعات مهمة من جماهير عراقية الانتماء الى جماهير ساخطة على النظام وكان من السهل برمجتها وتأهيلها ليوم ءاتي عبر نسيج لخطة محكمة الحبك ..

          العائدون الى العراق مع سقوط حكومة البعث ودخول الجيش الامريكي الى العراق كانوا من ذلك الصنف (المسيس) رغما عنه وبنسبة عالية وكانوا مؤهلين لاستلام مناصب مهمة وعالية المستوى في الحكومات الديمقراطية التي تعاقبت بعد الاحتلال وكان لفاعلية السفر بالبطاقة الشخصية عبر سوريا مفتاحا لتغوييم فئوية محددة حددتها وافرزتها برامجية حكومية بعثية عملت في داخل العراق واخرى عملت خارج العراق وعندها يمكن معرفة سيناريو ام الحكومات حين تمنح ادواتها صفات (السالب والموجب) وصولا الى اهدافها

          الادوات التي تستخدمها ام الحكومات من خلال (بناتها) حكومات الاوطان تمتلك فاعلية رسمية نافذة تقوم بتنفيذها حكومات مسماة باسمائها وتمتلك شعارات وطنية براقة تمرر من خلالها نفاذية وحاكمية الاداة المكلفة بتنفيذها الا ان الاهم والاخطر هو غفلة الجماهير عن صفات تلك الادوات مما يقيم المكون الفعال لنفاذ الخطط السوداء عندما تكون الشعوب (مطية) تلك الخطط ..!! وهنا يقوم وجوب الذكرى ليس لتصحيح مسار الامس بل لبناء لبنة واحدة ولو كانت متواضعة في محاولة لتصحيح مسار الغد


          الحاج عبود الخالدي
          قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

          قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ

          تعليق

          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
          يعمل...
          X