دخول

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذاكرة عراقية (3)

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذاكرة عراقية (3)

    ذاكرة عراقية (3)

    من اجل حضارة اسلامية معاصرة


    امتاز الحكم العارفي في مرحلته الاخيرة بالهدوء السياسي المفروض والاستقرار النسبي وسط هيجان جماهيري يطالب بالتغيير ووضع الحلول خصوصا في المفصل الاقتصادي المتهريء واللحمة الاجتماعية المتصدعة كثيرا ... في المرحلة الاخيرة من الحكم العارفي ظهرت مؤثرات عرقية ترتبط بالتفعيل المذهبي من خلال الضغط الاداري لفرز الاصول العراقية عن الاصول الفارسية في لعبة قديمة ولكنها لم تكن فعالة عند ولادتها حيث كانت قد وثقت في برلمان الثلاثينات ابان حكم رئيس الوزراء (الهاشمي) الذي اصدر قانون شهادة الجنسية العراقية الذي ركز على منح الجنسية للاصول العراقية المستقرة من العهد العثماني واستثناء المستوطنين بعد عام 1920 ... الحكم العارفي وضع في ادارياته الرسمية فرض وثيقة شهادة الجنسية العراقية كشرط لشراء العقار او التعيين الوظيفي او الدراسة الجامعية والانتساب للجيش وغيرها مما فعل ذلك القانون القديم المهمل نوعا ما ..

    الغريب المرصود في تلك الحقبة ان شهادات الجنسية العراقية افرزت العروق الفارسية بنوع من الشهادات اطلق عليها اسم (التبعية الايرانية) في حين حصلت الفئات العرقية الارمنية والتركية والباكستانية وغيرها على شهادات الدرجة الاولى وبالتالي اصبح في المجتمع العراقي فئة فارسية تحمل وثيقة عراقية قلقة ... دفع الناس دفعا اجباريا لاستصدار وثيقة شهادة الجنسية لحاجاتهم الرسمية وانشطتهم المدنية ... الاثارة الرسمية للحكومة العارفية كانت لغرض البديء بعمليات فرز مجتمعي استفزازي سجل على الصفحة المذهبية الساخنة لان تلك الفئة كانت من الشيعة حصرا .

    حرب الايام الستة في فلسطين عام 1967 افرزت وهناً حكومياً واضحاً ادى الى نقمة الجماهير على الحكومة العارفية واصبحت الجماهير تسخر من مواقف الحكام ازاء تلك الحرب التي انحسرت بالاناشيد الاذاعية مما اوهن الكرسي الرئاسي كثيرا وزاد من مقت الجماهير للبرود الحكومي ... الوهن الحكومي لم يكن منطقيا لان الحكم العارفي هو امتداد للنظرية الناصرية وكان من المنطق ان يكون العراق في قلب المعركة مع عبد الناصر الا ان الوهن الحكومي اكتفى بارسال وحدة عسكرية صغيرة لما يشبه الحضور الرمزي في الاراضي المصرية مما يجعل الباحث مذهلا امام صلافة المصمم وعنفوانه التنفيذي بسبب جدار الغفلة الجماهيري يزداد سمكا وفق منهج دقيق ..!! فالمصمم لا يخشى شيئا لان الغفلة سارية بامتاز ...

    عندما قامت ثورة 17 تموز في 1968 كانت الجماهير المتعبة والممزقة مهيأة لاستقبال حكومة قوية غير راكدة تخلف حكومة عارف الواهنة او الروتينية فمرت الثورة دون أي صراع جماهيري (لا منطق) والغريب في تلك الحقبة هو الفكر القومي والفكر الشيوعي الذي اقر هدنة غير معلنة مع البعثيين وتلك كانت في رصد حالة اغرب من الغريبة خصوصا وان القوميين كانوا في دست المسؤولية ولكنهم لم يقاوموا الثورة التي سموها بالبيضاء وقاموا بتسليم الامر الى الانقلابيين الجدد في بغداد وسط ذهول حديث جماهيري تلتقطه الذاكرة لتضعه في مشغل البحث بعد عقد من الزمن حيث ترى فيه خيوط المؤامرة ومنطقها الذي يخالف منطق واقع الحال بشكل كبير فقد كان من المفروض ان القوميين يقاومون الانقلاب لانهم هم الذين طردوا البعثيين في 1964 اما البعثيون فكان من المفروض ان ينتقموا من القوميين على غدرهم الذي وقع بعد نجاح انقلاب 1963 على الحكم القاسمي وكانوا مادة الثورة في قتال الشيوعيين .. الاغرب من ذلك كله هو ما قام به الانقلابيون البعثيون تجاه عدوين استراتيجين سابقين تربطهم معه صفحة دموية ساخنة لا تزال طازجة فكان البعثيون ودودين للغاية مع اعدائهم وسارعوا الى استقطابهم ودعمهم من خلال عملية سريعة في ايام الثورة الاولى بقراراعادة المفصولين الشيوعيين لوظائفهم وعدم التحرش بالقوميين في وظائفهم الادارية غير السياسية ولم تجري عملية اعتقال لعناصر الناصريين بعد نجاح الثورة البيضاء كما سموها في بغداد ..

    الود البعثي زرع الامل في نفوس الجماهير وسارع الانقلابيون الى ارضاء جماهير الشيعة في الايام الاولى للثورة البيضاء من خلال تمليك منطقتي الثورة والشعلة لساكنيها الشيعة وهم جماهير القرويين المهاجرة في الجمهورية القاسمية والعارفية وكانت تلك المبادرة بمثابة بطاقة خضراء غريبة في ذلك الغزل الرسمي غير المتوقع مع القاعدة الفقيرة للشيعة كما منح كل القرويين المهاجرين في المحافظات حق تملك اراضي البيوت التي يسكونها ... فبدأت رقصة جديدة للجماهير العراقية تشبه الرقص الجماهيري مع الحكم القاسمي وسط اعلانات متكررة من الثوار الجدد بوعود تحويل العراق الى جنة خلد لا مثيل لها

    بدأت الدولة الثورية الجديدة بمنطقية اصلاحية منقطعة النظير مما خفف من الاحتقان المجتمعي واختفاء مظاهر النزعة المذهبية والعرقية واصبحت لغة التفاهم مع الاكراد قاب قوسين بعد ان توقفت العمليات العسكرية في شمال العراق وشهدت ساحات القتال هدنة غير معلنة ...

    قامت الحكومة في سنتها الاولى باستصدار قانون الايجار الذي غدر وبشكل رخيص بحق الجماهير في استثمار العقار فاصبح المستأجر يمتلك سلطوية على المأجور يحميها القانون فسقطت ثالث بطاقة استثمار بعد ان اسقط القاسميون بطاقة الاستثمار الزراعي بمصادرة الملكية للارض الزراعية واسقط العارفيون بطاقة الاستثمار الصناعي بتأميم شركات وطنية خاصة واسقط البعثيون بطاقة الاستثمار العقاري بقانون ايجار يحرم المالك من سلطانه على عقاره فاصبح الشعب العراقي بكامل طاقاته اسير ميزانية الدولة واصبح الدخل القومي يقرأ في المؤشر الحكومي فقط والغي دور المواطن تماما في رسم مستقبل اقتصادي متنامي تلقائيا .... وفي رقابة اللامنطق في ذلك القرار ظهر عندنا ان نسبة العقارات المؤجرة في العراق منخفضة جدا قياسا بالدول الاخرى فهي لا تزيد على 5% من اصل الثروة العقارية في كل الاحوال وكانت الدولة توزع الاراضي السكنية بكثافة وبثمن بخس جدا جدا وكان المصرف العقاري يمنح سلف مريحة الاسترداد تكفي لبناء سكن يفي بحاجات الفقراء والحد المتوسط ولم يكن أي مبرر لقانون الايجار من الناحية المنطقية الثورية او الاقتصادية او المجتمعية كما ان شمول العقار التجاري بقانون الايجار يضع الباحث يرصد خيوط الخطة الخفية لتدمير بطاقة الاستثمار العقاري بالكامل وهو حق طبيعي تتمتع به كل شعوب العالم لان حماية المواطن المستأجر قد تعني نوعا من المنطق اما حماية التاجر او الحرفي المستأجر لا تمتلك أي منطق .

    نؤكد لمتابعنا الفاضل اننا نرصد النتائج في زمن بعيد ولن تكون هذه المعالجة اقتصادية بل ارتبطت بيومنا المعاصر في اسوأ اثر يراه الباحث فنرى اليوم ان ازمة السكن سببا مباشرا خفيا في عمليات التهجير الطائفي التي جرت في العراق حيث ازمة السكن منحت الشرسين من كل الاطراف المتصارعة في تهجير الاخر بحيث حصل المسلحون المنفلتة قياداتهم على سكن جاهز لعوائلهم المختنقة في سكنها تحت ازمة سكن حاد ..!! ما يضاف اليه من تدهور خطير في البنية التحتية التي تستقبل الاجيال بعد نضوجها حيث تتسارع نسبة الناضجين من الابناء في عجز تام للحصول على السكن بسبب حرق بطاقة الاستثمار العقاري منذ زمن بعيد وفقدت بضعة اجيال القدرة على توفير مساكن لها يصاحبه عجز الامة عن ديمومة توفير مساكن لاولادها بموجب قانون لا منطقي الا ان يتمنطق بمنطق خطة المصمم . والغريب الاغرب ان القانون لا يزال نافذا في ظل راية ديمقراطية ..!! وازمة السكن رافد من روافد الفساد الاداري الذي ينتشر الان بحيث يسعى كل ذي كرسي ابتزاز الاخرين من اجل توفير سكن لعائلته مما تسبب في ارتفاع قيمة العقار بمعدل 400% والنسبة مرشحة للتصاعد المستمر وهو ارتفاع مخيف له اثاره الكبرى ومنه الفساد الاداري الذي نعيشه ..


    رغم ان التنظيرات الحزبية للثوار كانت تؤكد ان البرجوازية الوطنية هي جزء من الاقتصاد الوطني الا ان القرارات الحكومية كانت تنتف اخر ريشة في اجنحة البرجوازية الوطنية واصبحت المؤسسات الحكومية هي المصدر التمويلي الوحيد وفقد القطاع الخاص دوره الاقتصادي الطبيعي لشعب عريق في الصناعة والتجارة وسحبت اذونات كافة المصارف الخاصة واعتمد الاقتصاد على جهد مصرفي واحد لمصرف الرافدين الحكومي .

    تلك الذاكرة وان كانت اقتصادية الا ان مشغل البحث فيها كالعادة ينقلها الى منهجية حكومية جديدة تشمل تصفية كافة الانشطة الفردية وصهرها في البوتقة الرسمية وذلك يعني ان الشعب يخضع الى عملية تجنيد اجباري في كل مفصل من مفاصله ولم يبق في الميدان احرارا الا جزء بسيط كانوا يمثلون اصحاب المحلات التجارية (اسواق شعبية) واصحاب الحرف والمهن الشعبية ولم تنجو تلك الفئة ايضا من عملية التجنيد الشامل حيث اجبر اصحاب المحلات على ان يكونوا وكلاء تسويق لمؤسسات الدولة التي اصبحت الوحيدة في توفير مستلزمات الحياة السلعية بما فيها بائعي المخضرات فلا يحق لقروي بسيط ان يبيع غلته الا من خلال (مؤسسة تسويق الفواكه والخضر) ولا يحق للبائع ان يكون بائعا الا ان يكون وكيلا لتلك المؤسسة وعلية ان يرفع لافتة على غلته تعلن عن اسمه ورقم وكالته .. !! كما تمت السيطرة على الحرفيين الاحرار (غير مرتبطين بوظيفة) من خلال تنشيط نقابات العمال واجبار الحرفيين الاحرار على الانتماء النقابي ... اصبح الشعب باكمله في قبضة الدولة الجديدة والدولة ترفع شعار الحرية ولم يبق من الاقتصاد الحر سوى طبقة من الكسبة وصغار التجار من الاصول الفارسية والتي لم تحصل على شهادات الجنسية العراقية فتم ترحيلهم من العراق عام 1970 بشكل سريع بموجب حملة تسفير سريعة استمرت بضعة ايام كانت تمثل هدفا ثلاثيا في افتعال ازمة ايرانية شاهنشاهية عراقية كذلك مثلت ضربة اخراس للشيعة الشرسين الذين كانوا يتحركون بشراسة قبيل الثورة البيضاء كما استهدفت ثالثا استكمال عملية تجنيد الشعب في قبضة واحدة تحت عناوين اصلاحية وشعارات حرية الشعب المثالية

    وبدأت الخطة السوداء .... اصدر رجال الثورة البيضاء قرارات حاسمة وشديدة باستبدال (دفتر النفوس) وهو هوية مدنية قديمة على شكل دفتر جيب صغير متعدد الصفحات الى (بطاقة هوية الاحوال المدنية) وهو عبارة عن بطاقة واحدة مغلفة بالبلاستك تحت شعارات تطورية لأحدثة مفاصل الدولة ولكن الغريب فيها انها كانت صارمة ولها سقف زمني قصير (اربعة اشهر) والمخالف يتعرض الى غرامة يومية ..!! احتشد الملايين من الناس على ابواب دوائر السجل المدني ... مشغل البحث الذي نملكه يتمركز في مراقبة اللامنطق ووضعه على طاولة البحث وصولا الى منطق المصمم .. كان اللامنطق في حاكمية استبدال تلك البطاقات وبسرعة فائقة ..؟؟ فكان المنطق الذي امسك به البحث يكمن في عملية تثبيت المهنة في بطاقة الاحوال المدنية وهو شرط لازم في البطاقة الجديدة .. الطالب طالب والتاجر تاجر والموظف الحكومي يحمل هويته وكانت الازمة مع العامل حيث يتوجب عليه ان يأتي بوثيقة نقابية تؤكد مهنته كعامل وكان الانتساب الى النقابة برسم قيمته (600 فلس) وهو يساوي اجر ليومين من العمل فكان ذلك عسيرا على كثير من العمال ... الا ان الرصد البحثي يغور عمقا الى مهنة (الفلاح) فقد كانت لا تحتاج الى وثيقة ..!! ويثبتها امين السجل المدني (فلاح) دون ابراز أي وثائق ... ذلك الترشيد الاداري دفع القرويين المتجمعين في المدن منذ عهد الحكومة القاسمية والحكومة العارفية السابقة ان يستصدروا هويات مدنية مثبت فيها مهنتهم الام (فلاح) لان تثبيت تلك المهنة لا يحتاج الى رسوم وبما انهم من اصول فلاحية فقد وقعوا في المصيدة ..!!

    بعد انتهاء حملة استبدال دفاتر النفوس اطلقت الحكومة النشيطة حملة وطنية جبارة تحت عنوان (الهجرة المعاكسة) من المدينة للريف وكان يقودها كبار رجال الثورة البيضاء وهم يتجولون في الريف والمزارع وسط اهازيج وشعارات بناء العراق الجديد ... بقرار ثوري وطني صدرت الاوامر الى كافة رؤساء الوحدات الادارية باعتقال واحتجاز أي فلاح يمارس عملا مدنيا في المدينة ..!! تطبيقا للحملة الوطنية في الهجرة المعاكسة ... حملت الذاكرة كثيرا من تلك الاختناقات لعوائل احتجزت في المدارس وكان هنلك ضغوط على عائلتي بالتوسط لاخراجهم الا ان صرامة الاوامر افشلت كل انواع الوساطات وخضع المهجرون للامر الواقع ومن لم يكن له ارض سرعان ما منح ارضا بحق التصرف بزراعتها بعد ان سبقتها مشاريع للري بدأها عبد الكريم قاسم وتم انجازها متزامنة مع الهجرة المعاكسة الثورية مما يظهر دقة المصمم الزمنية لادوات خطته .... كانت مشاريع الري المنجزة مسبقا تقدر بنسبة قد تصل الى 80% منها في حوض نهر الفرات فقط بحسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر متخصصة ... اهازيج الهجرة المعاكسة كانت قد استكملت فاعليتها خلال سنة او سنة ونصف تزامن معها استصدار عفو عن كل المتخلفين عن الخدمة العسكرية للسنين الغابرة والهاربين من الخدمة الالزامية على ان يتم تسليم انفسهم الى السلطات العسكرية في 1/1/1970 ومن شدة الزخم الهائل للمساقين للخدمة العسكرية فقد تم تجزأة تسويقهم على اربع وجبات بين الوجبة والاخرى اربعة شهور ... علما ان راتب الجندي المكلف كان لا يكفي لتنقله من مسكنه الى معسكره مما يزيد من فاقة عائلته عندما تضطر لتغطي نفقات اولادها في الجيش كما وضعت كثير من الشباب الصغار في وضع حرج دفعهم الى الجريمة ..!! اما الاخرون فقد سقطوا من وداعتهم ..


    جدار الغفلة ... كان ذلك الجدار سميكا للغاية بحيث لم يستطع الجمهور ادراك تلك الخطى المرسومة على خارطة بالغة الدقة .. حيث بدأت تتضح المعالم السوداء عندما فوجيء الشعب العراقي بقيام السلطات السورية بحجب الحجم الاكبر من مياه الفرات في الوقت الذي تورط الملايين من القرويين في الريف الجديد حسب شعارات الدولة ... عطش حوض الفرات عطشا شديدا خصوصا في فصول الصيف ولا حلول سوى المظاهرات الشعبية بدفع رسمي بعثي و التي تشتم السوريين وحاكمهم ..!! ... في المدينة مفارز تبحث عن كل فلاح يعمل لاحتجازه ولا يطلق سراحه الا بكفالة وتعهد بالعودة لديرته .. في الريف لا ماء ولا خضراء ... مصيدة بشرية تصطاد البشر وتقودهم كما تقاد الماشية الى التطوع في الجيش فقد فتح الجيش ابوابه للتطوع باعداد هائلة مما دفع تلك القطعان البشرية الى التزاحم على مراكز التطوع وكانت الذاكرة تسجل الازدحام الشديد الذي يقطع الشوارع القريبة من مراكز التجنيد ..!! المعلومات التي حصلنا عليها ان نسبة التطوع للجيش فتحت بمعدل 400 مرة عن معدلاتها في العهد العارفي والقاسمي واستمرت حملة التطوع على اشدها قرابة خمس سنوات ... وبدأ تشكيل وحدات جيش جديدة وفرق جديدة وصنوف جديدة .. !! والناس ينتظرون الوعود الذهبية لعراق جديد ... من مفاصل الذاكرة كنت في مراجعة عارضة لوزير الري مكرم الطالباني واثناء تواجدي في مكتبه دخل وفد شيوخ من احدى القرى الجنوبية يقول للوزير ( سيادة الوزير نحن لا نريد ماء لنزرع به بل نريد ماء لنشرب فاذا اقتربنا من ترعة آل فلان اطلقوا النار علينا وعلى حيواناتنا واذا اقتربنا من مجمع الناحية الادارية يحتجز القمائمقام او مدير الناحية نسائنا واولادنا ويقول هذه تعليمات ..!!)

    لم تكن لعبة شحة حوض الفرات اداة تلك المصيدة الوحيدة في ذلك الميدان فقد سجلت الذاكرة ظاهرة انتشار شاحنات البضائع وهي تحمل ارقام غريبة (إدخال كمركي مؤقت) حيث يعرف العراقيون ان ذلك النوع من لوحات تسجيل المركبات قليلة وهي تخص السيارات المستوردة لحين استكمال معاملات تسجيلها في الدوائر المختصة ... لكن كثرة تلك اللوحات وخصوصا للشاحنات الكبيرة كان يمثل اللامنطق الذي يستهوي رغبتنا البحثية في الامساك بمنطق الخطة فتبين ان تلك الشاحنات كانت نتيجة لاذونات صدرت لاعداد خرافية من الشاحنات ممولة من الدولة منحت الى ابناء ومشايخ عشائر متاخمة للموصل واخرى متاخمة لمحافظة بغداد لغرض تامين عدد كبير من الشاحنات لأستخدامها في نقل اسلحة مستوردة للجيش من موانيء عراقية وموانيء اردنية وموانيء في الحجاز وموانيء الكويت وبشكل مكثف حصلت على بياناته من شركة التأمين التي تؤمن على النقل البري داخل العراق فكانت الارقام مخيفة مذهلة ...

    الغريب جدا كان الاعلام الثوري ومنطق الثوار الجدد في تلك الحقبة يهاجم الملكية الاردنية سياسيا بعنف (الملك العميل) ويصف النظام الاردني باصعب الصفات كما كان الاعلام الثوري يهاجم حكام الحجاز بشكل قاسي جدا ويكيل للحكام ابشع الالفاظ (نفط العرب للغرب) الا اننا وجدنا ان قوافل السلاح تمر عبر اراضي اردنية وحجازية وكأن الاعلام الثوري لن يترك اثرا في قرار كرامة اولئك الحكام مما يؤشر بشكل مباشر حاكمية الخطة السوداء بصفتها الأممية المتداخلة مع صفتها العربية ..!!


    تزامن ذلك التجهيز التسليحي الكثيف مع اصطياد القرويين الجياع العطاشى المتطوعين للجيش وهم فرحين بما اتتهم الثورة البيضاء من خير كبير وبركات عراقية تستوجب السجود للعراق والولاء له ... تطوعوا في الجيش باعداد هائلة من حوض الفرات حتى سرى بين الناس مثلا يتداوله الكثير عنهم (مدينة المليون عريف) ..!! .. ولا تزال تحمل الذاكرة في زمن الخدمة الالزامية كم كان اولئك المتطوعون قساة مع الجندي الملكف وكأن الانسان لا يمتلك في صدره سوى وعاء الغل ولا وجود لغير الغل فيه وكان السبب المباشر هو الوجه التربوي القاسي الذي تعرض له اولئك القرويون ولكن قساوة ما مروا به زرع في قلوبهم الغل كبديل للود والوداعة مما تسبب ذلك في اختناقات مجتمعية حادة كانت تنعكس على مجمل الحياة العراقية وتفرز افرازاتها السيئة التي نراها اليوم فاولئك المتطوعون هم جيل الاباء والشيوخ في هذا اليوم ونرى سوء اهلنا وصفات السوء كأنها متأصلة في شعب اسمه شعب العراق يقتل بعضه ويعتدي على بعضه ... تلك كانت الفصول الاولى من الحرب العراقية الايرانية تم فيها تأمين عنصرين (الاول) ماكنة الحرب (الثاني) مشغلي تلك الماكنة ... اما الجندي فقد كان في خطة تجنيد شعب باكمله تم توثيق سجلاته بشكل يصعب الافلات منه ومن قبضة الحكومة الشاملة عن طريق حاكمية تجديد بطاقة الاحوال المدنية التي سبقت الحدث وهيأت له .

    تلك كانت ذاكرة تم اعتمادها في مشغل بحث (عقل) يبحث عن الحقيقة كما تحاول السطور رسمها ... ولن تكون ذات هدف تهجمي لاحد بل وصف الضاهر من الحدث في مرابط خطة سوداء خفية يصاحبها المنطق

    الى لقاء في ذاكرة عراقية (4)


    الحاج عبود الخالدي
    قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

    قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ


  • #2
    تحية واحترام

    نقرأ في هذه الذاكرة شأنا مهما وهو من مقتبس

    (قامت الحكومة في سنتها الاولى باستصدار قانون الايجار الذي غدر وبشكل رخيص بحق الجماهير في استثمار العقار فاصبح المستأجر يمتلك سلطوية على المأجور يحميها القانون فسقطت ثالث بطاقة استثمار بعد ان اسقط القاسميون بطاقة الاستثمار الزراعي بمصادرة الملكية للارض الزراعية واسقط العارفيون بطاقة الاستثمار الصناعي بتأميم شركات وطنية خاصة واسقط البعثيون بطاقة الاستثمار العقاري بقانون ايجار يحرم المالك من سلطانه على عقاره فاصبح الشعب العراقي بكامل طاقاته اسير ميزانية الدولة واصبح الدخل القومي يقرأ في المؤشر الحكومي فقط والغي دور المواطن تماما في رسم مستقبل اقتصادي متنامي تلقائيا .... )
    قيام الدولة المعاصرة كان لحماية مواطنيها واهم ما يريد المواطن حمايته هي امواله الا ان المسلسل الثلاثي الوارد في تلك الذكرى يؤكد ان ثلاث حكومات قامت بمهاجمة ملكية المواطنين حين صادرت حكومة عبد الكريم قاسم الملكية الزراعية وصادت حكومة عبد السلام عارف الملكية الصناعية وصادرت حكومة البعثيين الملكية العقارية مما يعني ذلك ان العراقيين عاشوا ثلاث ثورات كاذبة احرقت مستقبل العراق واوغلته في نار حارقة

    ذلك الوصف لا يحتاج الى تاكيد فميزانية ايراد النفط العراقي منذ الثلاثينات لغاية 2010 تكفي لبناء عدة دول في ارقى صروح حضارية الا ان العراق اليوم تحت الصفر

    رغم انها ذاكرة حق الا انها ذاكرة مؤلمة تضع الاجيال السابقة التي عاصرت تلك الحكومات في وصف غير ممدوح ومن لا يضع لتلك الذكرى ميزان في عقله فيكون جيل اليوم مثل جيل الامس معصوب العيون

    احترامي
    sigpic

    من لا أمان منه ـ لا إيمان له

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X