دخول

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علم الجهل وهندسة التضليل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علم الجهل وهندسة التضليل

    علم الجهل وهندسة التضليل
    على مر الأزمنة، تصارع السلاطين والساسة على حق امتلاك المعرفة ومصادر المعلومة. فالمعرفة قوّة وسلاح، بشكلٍ يوازي المال والعتاد العسكري. ولأن المعرفة بهذه الأهمية، هناك من يحاول الاستئثار بها لنفسه. ولهذا تأسس مجال إدارة الفهم في الأوساط الأكاديمية والسياسية. تُعرّف وزارة الدفاع الأمريكية مفهوم «إدارة الفهم » بأنه نشر لمعلومات أو حذف لمعلومات لأجل التأثير على تفكير الجمهور والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح. ولأن النشر والحذف يتطلّبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، قام باحث ستانفورد المختص بتاريخ العلوم بصياغة ما يُعرف بعلم الجهل وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة.
    تركز علم الجهل في الثمانينات من القرن الماضي، بعدما لاحظ الباحث دعايات شركات التبغ التي تهدف إلى تجهيل الناس حول مخاطر التدخين. ففي وثيقة داخلية تم نشرها من أرشيف إحدى شركات التبغ الشهيرة، تبيّن أن أبرز استراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق «إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط التدخين بالسرطان». ومن حينها انطلق لوبي التبغ في أمريكا لرعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة التبغ اجتماعيا ونشر الجهل حول مخاطره. إلا أنه تبين بعد ذلك أن هذا الأسلوب لم يبدأ في التسعينيات من القرن العشرين، وإنما اتضح أنه أطلقته الدول الاستعمارية مع بداية القرن، وذلك في المؤتمر الذي عرف (بمؤتمر هنري كامبل بانيرمان) الذي عقد في عام 1906 واستمرت جلساته حتى عام 1907. وفي نهاية المؤتمر خرجت الدول الاستعمارية المجتمعة بوثيقة سرية أطلق عليها (وثيقة كامبل) نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (هنري كامبل بانرمان)، وهي أخطر وثيقة وأخطر مؤتمر أقيم لتدمير الأمة الإسلامية، وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة، وإلغاء الخلافة الإسلامية، مع إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم، ومحاربة أي توجه وحدوي إسلامي فيها، ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب، كما دعا إلى فصل عرب آسيا عن عرب إفريقيا ليس فقط فصلاً ماديًا عبر الكيان الصهيوني فحسب، وإنما اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، ما أبقى العرب في حالة من الضعف. وتمخض عن هذا المؤتمر وتلك الوثيقة بعد ذلك (اتفاقية سايكس بيكو) في عام 1916 الذي أدى إلى سقوط الخلافة وتقسيم الدولة الإسلامية إلى دول ودويلات، وهنا يأتي دور نشر الجهل وهندسة التجهيل بنشر ما يعرف باسم (الثورة العربية الكبرى) بهدف التحرر والاستقلال، ما أطلق عليه جورًا وبهتانًا الاستعمار العثماني واللجوء إلى الأصدقاء القادمين من أوروبا الإنجليز والفرنسيين والألمان وتلك الدول التي كانت بالأمس عدوة وأصبحت اليوم -بقدرة قادر- دولا صديقة، وذلك بطريقة (أنا لا أكذب ولكن أتجمل). وفي منتصف التسعينيات من القرن العشرين تبلور (علم الجهل وهندسة التجهيل)، إذ تبين أن وسائل التجهيل تتم وفق طرق علمية ومنهجيات رصينة، فلا تتم بطرق عشوائية بدائية، فقد وضع لها منهجية تقام على ثلاثة سبل ووسائل حتى يتم وفقها نشر الجهل بين الناس، وهي كالتالي:
    أولاً: نشر وبث الخوف لدى الآخرين؛ كيف يتم ذلك؟ ربما أقرب وأوضح مثال أمامنا في هذه اللحظة تلك الفترة التي تجمهرت فيها كل الدول العظمي لضرب العراق أثناء حكم صدام حسين بعدما قام بغزو الكويت، وكان سلاح الدول تلك الشائعة التي أطلقتها تلك الدول والتي تقول إن صدام يمتلك أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيميائية، وإنه إن لم تقم الدول المتجمهرة بتفكيك تلك الترسانة من الأسلحة عبر الدخول إلى العراق وإنهاء الحكم الديكتاتوري فإنه سيقوم بنشر تلك المواد الكيميائية على دول العالم، عندئذ سيموت عدد لا حصر له من البشر، وتم نشر هذه الشائعة، وتم نشر الكذب، وغلفت هذه الكذبة بمساحيق الجميل، وبدأ الخوف يدب في قلوب البشر، حتى أخذ الدول العظمي وثيقة عالمية لغزو العراق. وربما حادث آخر يمكن أن نتذكره كذلك، وهو ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر من تخويف الشعب الأمريكي بالتطرف والإرهاب الإسلامي، ومن ثم الدين الإسلامي وكل ما يمس الإسلام بصلة، فانتشر الخوف من كل صاحب لحية ومن كل امرأة محجبة، وللأسف إن هذا الخوف وهذه الكذبة لم تتوقف عند الحدود الأمريكية فقط وإنما قام الليبراليون العرب ببقية المهمة، فقاموا بنشر مثل هذا الخوف وهذا الرعب في كل أرجاء العالم الإسلامي، وأصبح كل متدين يخاف أن يظهر بمظهر المتدين، وأصبح الإسلام وتعاليمه غريبة في أرض الإسلام، وأصبح على كل من يرغب في الشهرة والبروز أن يشتم الإسلام وتعاليمه وكل ما يمسه، وأنشئت محطات وقنوات تلفزيونية عربية تهاجم كل ما يمت للإسلام بصلة. ليس ذلك فحسب بل أصبحت تلك الكذبة حقيقة، وأصبحت الدول العربية والإسلامية تبرر وتنفي كل حادث انفجار يحدث في أي مكان من العالم حتى إن قام به بوذي أو هندوسي أو مسيحي أو يهودي.
    ثانيًا: إثارة الشكوك؛ وهذا ما قامت به شركات التبغ العالمية وخاصة في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين حينما تزايدت الدراسات العلمية المحكمة التي تحاول أن تربط بين تدخين التبغ وانتشار أمراض السرطان وخاصة سرطان الرئة، فقامت تلك الشركات بإنشاء ما عرف (لوبي التبغ)، وهذا اللوبي مكون من العديد من العلماء والأطباء والأخصائيين من مختلف التخصصات مثل الاقتصاد والسياسة والعلاقات العامة والتسويق وما إلى ذلك، هدفهم الوحيد التشكيك في كل الدراسات العلمية المنشورة التي تحاول إقامة رابط بين التدخين والسرطان، فتارة تشكك في نوايا القائمين على الدراسة، وتارة تشكك في منهجية الدراسة، وتارة تشكك في المراكز العلمية التي صدرت منها الدراسة، وما شابه ذلك، فأصبح المستهلك يشك في كل ما يقال حول التدخين وما يثار حول هذه العادة، وفي خطوة تالية تم إثارة الشائعات المعادية للحقائق العلمية، فتقول مثل هذه الشائعات – على سبيل المثال – إن التدخين لا يسبب كل تلك الأمراض وإنما نمط الحياة أو أيًا ما يكون، أو قد يقول قائل «جدي يبلغ اليوم من العمر الثمانين وهو يدخن وحتى الآن يعيش في صحة جيدة»، أو أن يقال إن السيجارة أو الشيشة الإلكترونية غير ضارة وما إلى ذلك من تشكيك في كل المعلومات العلمية، عند ذلك يصبح الكذب حقيقة، والحقيقة غير مقبولة. وكمثال آخر فبعد هبوط مبيعاتها بنسبة 25%، بدأت شركة كوكاكولا العالمية بدفع ما يقارب 5 ملايين دولار لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع حول أسباب السمنة، وذلك بتقليل دور المشروبات الغازية في انتشار السمنة وتوجيه اللوم إلى عدم ممارسة التمارين الرياضية! هذه «الأبحاث المدفوعة» يتم نشرها لإثارة الشكوك في ذهنية الفرد حتى يعيد تشكيل موقفه بما يتناسب مع أجندة هذه الشركات.
    وبعد كل هذا التشكيك في مصداقية الصدق والحقيقة، فإن الشائعات والكذب تضرب كل تلك الحقائق في مقتل، وهو الهدف الأخير في مراحل هندسة التجهيل، ألا وهي الحيرة.
    ثالثًا: صناعة الحيرة؛ وتأتي صناعة الحيرة كنتيجة جلية وحتمية لهندسة التجهيل، إذ إن بث الخوف وإثارة الشكوك تجعل الإنسان بالفعل في حيرة، فعندما يثار – مثلاً – كل هذا الكلام واللغط حول الإسلام وتطرفه، وأن المتدين لا يرغب ولا يعرف في الحياة إلا الأكل والنساء، وأن أتباع الدين لا يرغبون في الجهاد إلا من أجل السبايا والنساء وما إلى ذلك، ويتم إنتاج العديد من المسلسلات والأفلام والقصص حول هذا الموضوع، وعندما يأتي من يشكك في كتب الصحاح وفي السيرة النبوية، ويقوم العديد من كتّاب الصحافة بالضرب تحت الحزام – كما يقال – حول هذا الموضوع، يصبح الإنسان المسلم في حيرة من أمره، عندئذ يسأل نفسه: هل فعلاً هذا الكلام صحيح؟ هل كل هذا من أجل النساء والمعاشرة والأكل وراحة البدن؟ هل.. هل؟ فيقع الكثير من الشباب في حيرة من أمرهم، وفريسة سهلة يمكن النهش من أجسامهم وعقولهم وقيمهم، لذلك فإنهم يهربون – سواء بأجسامهم أو بعقولهم ووجدانهم – بل ويسارعون بالهرب من كل رابط يربطهم ليس بالدين فحسب وإنما حتى بانتماءاتهم وقيمهم وفكرهم وحتى أوطانهم، فلا يكون لهم ملاذ إلا دول الغرب التي تفتح لهم الأيدي والقلوب، وليت الأمر يصل إلى ذلك بل تقوم دول الغرب بنشر كل ما يسيء للإسلام بصلة بسبب هذا الشباب أو تلك الفتاة.
    ما هو مُلاحظ هنا، الجهل ليس انعدام المعرفة وفقط، بل هو (مُنتَج) يتم صنعه وتوزيعه لأهداف معيّنة، غالبًا سياسية أو تجارية. ولتوزيع هذا الجهل بين أطياف المجتمع، انبثقت الحاجة لمجال «العلاقات العامة»، الصنعة التي تُعتبر الابن الأصيل للحكومة الأمريكية على حد تعبير تشومسكي. فعن طريق لجان «العلاقات العامة» تم تضليل الرأي العام الأمريكي والزج به في الحرب العالمية سابقا وغزو العراق لاحقا.
    في هذا العصر الرقمي، بات الجهل والتضليل سلعة يومية تُنشر وتُساق على الجمهور، من حكومات وشركات وأصحاب نفوذ. والصمود أمام كل هذه القوى يتطلّب جهودا ذاتية ووعيا مستقلا يبحث عن الحقيقة بعيدا عن العاطفة والأمنيات. وسيكون من قصر النظر وفرط السذاجة لو اعتقدنا أن «علم الجهل» و»إدارة الفهم» و»العلاقات العامة» محصورة على الغرب، بل هي أقرب إلينا من أي شيء آخر! استراتيجية التجهيل وغيرها من الظواهر التي بات تفسيرها ليس باليسير هي فروع من العلوم السرية الذي يحاول البعض التنقيب عنها، لكن يتم كبت هذه الأصوات حتى تموت الفكرة قهراً في مهدها. وبالتأكيد، من أهم وسائل نشر صناعة التجهيل على الصعيد العالمي شبكات الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي جمعاء، والتي تجتمع جميعاً على نشر حالة من "عدم المعرفة" الناجمة عن إتاحة معلومات متضاربة تصير مثيرة للجدل وتعمل على تأصيل حالة من الشك. ومن أهم الأطراف المستفيدة من حالة التجهيل المتعمد تلك هي: رجال الاقتصاد، والساسة. ومثال لذلك، البرامج الحوارية التي تطرح قضايا مثيرة للجدل وتستضيف متخصصين ينقسمون فيما بينهم بين مؤيد ومعارض لقضايا شائكة. ودون شك، لا يعلق في ذهن العامة إلا الآراء المعارضة، التي يتلقفها الشباب والمراهقون بعين الشغف، لأنهم يجدون في كل ما هو غريب ومخالف أسلوبا للتعبير عن الذات، ولتوكيد وجودهم بالمجتمع. مع ملاحظة أنه إذا كانت تلك القضايا تنتمي لعالم السياسة، فإنها تسهل مهمة الحاكم؛ حيث أنه يربي جيلاً من الخانعين الذين يقبلون بالآراء التي يتم زجها لهم، لأن عقولهم قد ترسخت بها فكرة أن تلك المفاهيم المغلوطة هي عين الصواب. أما في عالم الاقتصاد، ففي حال نشر معلومات مغلوطة تسبب البلبلة بين جمهور المستهلكين، فإن الغرض الرئيسي منها هو زيادة نسبة المبيعات، وتحقيق شهرة واسعة لعلامة تجارية دون اللجوء لعمل إعلانات باهظة التكاليف.
    وعلى هذا، يصير "الجهل قوة"، على عكس المتعارف عليه بأن "المعرفة قوة"، فالجهل يصنع حالة من التجهيل التي تسهل لمن ينشرون المعلومات المغلوطة أن يسوقوا أفراد المجتمع كالقطيع الخانع. ويجب أن نلفت النظر إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت عامة تساعد على نشر الجهل، فالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي هو المكان الذي تتاح فيه الفرصة للجميع بأن يصيروا خبراء، ويتوهمون حينئذ بأنهم من يقبضون على زمام الأمور، مما يجعل منهم فريسة سائغة لأصحاب النفوذ والمصالح الذين يعمدون لنشر الجهل.
    وتقديم الأفكار المشوهة للناس أصبح اليوم علما وفنا تقوم به الكثير من المؤسسات والدول لتغير معالم الحقيقة، فيقدم الكذب على أنه حقيقة، وذلك تحقيقًا لمبدأ مهندس ماكينة الدعاية الألمانية لمصلحة النازية الألماني جوزيف جوبلز «اكذب، اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس». وعندما يصدقك الناس فإنهم هم من سيقومون بالباقي، فهم لا يصدقون الكذبة فحسب، بل سيعيشونها، وكذلك فإنهم سيروجون لها على أنها الحقيقة المطلقة، وفي هذه الحالة فإن الحقيقة تصبح غريبة وغير مقبولة في هذا المجتمع، وهذا ما يطلق عليه اليوم مصطلح (علم الجهل وهندسة التجهيل)
    قال بروكتر «كنت أقوم باستكشاف كيف أن الصناعات الكبرى يمكن أن تعزز الجهل لبيع بضاعتهم، والجهل هو القوة».
    وهذا غيض من فيض، ويمكن القياس على ذلك الكثير، فبهذه الأسس وهذه القواعد يتم نشر الجهل بين الناس، ويتم هندسة العقول حتى يغلبها الجهل. يقول بعض الساسة «إن العلم والمعرفة قوّة، وهي قوّة لا يمكن مجابهتها إلّا بعلم الجهل وهندسة التجهيل، فهو العلم القادرة على بث روح الارتياب في الرأي العام، وخاصّة تلك الطرق الّتي تستخدمها جماعات الضغط عندما تكون مصالحها مهددة بفعل الاكتشافات العلمية. ويتعلق الأمر أن ننظر إلى الجهل ليس فقط بوصفه أمرًا محتومًا، أو كمحصلة ضروريّة من أولويات برامج البحوث لدينا، ولا حتى كفشل جزئي للنسق التعليمي، كما يريده نموذج الإفلاس، ولكن أن ننظر إليه بوصفه ناتجًا عن فعل ما. ويمكن إنشاء الجهل من كلّ العناصر، من خلال استراتيجيات التضليل، والرقابة، أو يمكن صيانته من خلال استراتيجيات الطعن في مصداقية العلوم ومن خلال فاعلين أفرادًا أو جماعات، سواء كانت دولة، مؤسسات أو جماعات الضغط».
    قال أفلاطون إن «الجهل أصل كلّ الشرور»، إذ إنه بسبب الجهل ينجم الثراء الفاحش والفقر المدقع، وينجم الطغيان والخضوع، وبسببه قد ينجم الاستبداد أو الفوضى، والجهل هو أساس الفساد وعدو الإبداع، سواء كان ذلك الفساد فسادًا سياسيا، أو ماليا، أو فكريا أو روحيا، ويمكن أيضًا أن يرتبط ذلك بالفساد السلوكي والفساد الأيكولوجي(البيئي).
    يقول أحد الباحثين في هذا العلم «ويجمع كلّ المشتغلين في الحقول المعرفية أن المعضلة الكبرى الّتي تهدّد المجتمعات، أمنيًا وتنمويا، وتحرمها حقها في التطور، بل تحرمها من الاضطلاع بواجبها في فهم شروط التطور عبر الاستعانة بالمجتمعات المتحضرة، هو أنّ نخب هذه المجتمعات لم تتحرر من الجهل، وهذا هو العامل الأول الذي يجعل المجتمعات الّتي لم يتأسس فيها علم الجهل تستمر رازحة تحت أوهام المعرفة، لأنّها لم تتمرس بالعلم الّذي يكشف لها مواطن جهلها».
    وفي الختام يمكن أن نقول إن سقراط لاحظ أنّ النّاس يعيشون مغمورين في ظلمات الجهل بينما يتوهمون أنّهم يعرفون كلّ شيء، فلا يترددون في الإفتاء في أي شأن وإصدار الأحكام على أي أمر، ومن ثم يعملون على تعميم الجهالة.
    وهنا لا يسعني إلا أن أذكر الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمَن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. فهل نحن نعيش الآن في هذا الزمان؟

  • #2
    رد: علم الجهل وهندسة التضليل

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وردت جذور ذلك العلم في القرءان ضمن مثل فرعون

    {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
    يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (سورة البقرة 49)

    الفرعنة الحديثة التي تقودها منظمات سرية مؤتلفه ضمن نظام دولي متشعب جدا من خلال (الاصلاء) وهم اعضاء قيادات تلك المنظمات ومنهم (العملاء) الذين يستثمرونهم لنشر ما اسموه بـ (تغويم الجماهير) وفي بعض ما نشر من مؤلفاتهم وتسريباتهم فهم يطلقون لفظ (الغوييم)على جماهير الناس وهو لفظ لاتيني يعني (القطعان البشرية) على شاكلة (قطعان الماشية) !!

    وان رسخ لدى الباحث وجود علم (التجهيل) فهو بعينه (التضليل) من الفاظ القرءان (ضلال مبين) ولكن القرءان يوضح لحملته ان ذلك الجهد التضليلي لا ينجح الا عندما يكون حامل العقل (غافلا) وبالنسبة لنا كمسلمين نحمل قرءانا فيه تصريف لكل مثل علينا ان نعي اسباب الغفلة قبل ان نفكر بعلاجها لنمنع علم التضليل من اختراق عقولنا ولم يستثنى الرسول محمد عليه افضل الصلاة والسلام من تلك الصفة التي يبدو انها من طبائع البشر في الخلق

    { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
    بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } (سورة يوسف 3)

    لان الوحي حين نزل على النبي قرءانيا فهو (القرءان) يحمل وحيا لقارئيه بعلميته

    { فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ
    وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (سورة طه 114)

    وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ ... وعند تدبر النص القرءاني بلا اقفال تأريخية ندرك ان قرأ القرءان لفظيا بـ (عجل) سوف لن يكون له وحي صادر من القرءان لقارئه !!! فوحي القرءان قضاء إلهي محكم الخلق (يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) يوحي لفارئه ان قرأه معلولا بعلته المنزلة اي (القراءة العلمية) وليست الروائية لان القراءة الروائية هي صفة (معرفية) وليست معلولة بعلة نزول القرءان وما يؤكد مراشدنا نجدها حين يبين القرءان المبين ذلك

    { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } (سورة المؤمنون 34)

    { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } (سورة الأَنعام 116)

    (أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ تكررت 9 مرات , أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ , أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ) وحملت نصوص القرءان صفات كثيرة تحذيرية من البشر او الناس او بني ءادم وتصفهم (فاسدون , فاسقون , ظالمون , غافلون , للحق كارهون , ووو)

    من ذلك يتضح أن (سبب الجهل) ليس من فئة تقوم بتفعيل علم الجهل في الناس الا انها تتصل بعلتهم وهي (الغفلة) فالغافلين يتكاثرون بتوأمة الغفلة عند الناس (الناسين) فينجح صناع الجهل ويفوزون بما خططوا له كما جرى ويجري على الارض في زمن الحضارة القائم فالناس يشربون الفتنة ويعيشون واقعها دائما وما هي الا اداة من ادوات الضلال يضاف الى ذلك صفة بشرية قاسية وردت في دستور القرءان

    قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ , وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا , وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا , فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ,

    ومع كل ذلك الوصف السالب منح الله الانسان قدرة على تخطي كل تلك الصفات السلبية في الانسان فذكرنا بدستوره الامين طبيعة خلق العقل البشري في قرءان للمؤمنين

    { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } (سورة القيامة 14 - 15)

    السلام عليكم

    قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله

    قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X